الزواج. وكان لدى العثمانيين أوقاف كثيرة ومتعددة؛ مثل آخر كانت هناك أوقاف بصرف مرتبات للعائلات المعوزة -غير الأكل- لأن الأكل المجاني له أوقاف عامة أخرى تسمى (عمارت وقفي) أي وقف المطاعم الخيرية وكانت الـ (عمارات) تقدم أكلاً مجانياً لعدد يبلغ 20.000 شخص يومياً مجاناً، وكان مثل هذا في كل الولايات ... ) (?).
وكان المطعم الخيري بجامع السليمانية تبلغ ميزانيته عام 1586م ما يعادل (10) عشرة ملايين دولار أمريكي إلا قليلاً (?).
وهكذا كانت سياسة الدولة على مستوى السلاطين والامراء والوزراء تضمن للمعوزين قوتهم وتكرم المستحقين بالإكرام.
11 - (وبما أن العلماء هم بمثابة القوة المبثوثة في جسم الدولة فعظم جانبهم وشجعهم واذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال ... ):
لقد أهتم السلطان محمد الفاتح بترتيب وظائف العلماء في الجوامع الكبرى ووضع لها تقاليد سابقة ونظمها بمرسوم خاص واهم الوظائف في المساجد الكبرى: الخطيب والإمام، والقيم والمؤذن ويقوم المرشحون لهذه الوظائف بطلب العلم في المدارس الدينية الكبيرة التي كثيراً ما كان السلاطين والوزراء يتنافسون على تشييدها تنافساً نبيلاً ويخضع الموظفون الدينيون في العاصمة لسلطة المفتي مباشرة ولكان ينوب عنه في الولايات الكبرى قضاة العسكر؛ أما في الولايات الصغرى فكان الإمام يقوم بكافة المهام الدينية وخاصة في الأرياف.
وكانت المدارس التي تعد الموظفين الدينيين يوجد بها ثلاثة فئات من طلبة العلم: فا (الصوفتا) وهي أدناها تليها فئة المعيدين الذي يحمل الطالب عند التخرج منها لقب (دانشمند) أو عالم. أما الفئة الأعلى فهي منصب المدرس، وبلغ عدد الصوفتا في عهد السلطان مراد الثاني 90 ألفاً. وكانوا كثيراً ما يكون لهم أثر في شؤون الدولة (?).
وقد استحدث محمد الفاتح لقب شيخ الإسلام وهو الذي يترأس الهيئة الإسلامية في الدولة، وهو يلي السلطان في الأهمية. وكان التشريع والمحاكم والمدارس الملحقة بالمساجد وممتلكات الأوقاف الواسعة جميعها خاضعة له، كما كان خاضعاً له القضاة الشرعيون والقضاة العسكريون والمفتون. وكانت الأولوية في بداية نشأة الدولة العثمانية لقاضي عسكر الذي رافق الجيش المحارب، ثم صارت للمفتي رئيس العلماء والفقهاء في عهد السلطان سليمان القانوني وأصبح المفتي هو شيخ الإسلام نفسه، وحرص السلاطين على تدعيم سلطة شيخ الإسلام فكانوا يلجؤون الى استغلال سلطته والإفادة منها كلما تعرضوا لأزمة خطيرة. وبلغ من ازدياد سلطة شيخ الإسلام أنه كان يحق له إصدار فتوى بعزل السلطان نفسه (?).
كما كانت الدولة لاتقدم على حرب دون صدور فتوى منه يقرر فيها أن أهداف هذه الحرب لاتتعارض مع الدين وكانت أحكام المفتي نهائية لامعقب عليها وكان الجهاز الإسلامي المنبث في جسم الدولة يضم الأشراف وهم الذين ينحدرون من سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان نقيب الأشراف يحتل مكانة عالية في المجتمع (?).
لقد قامت الدولة العثمانية بتأسيس جهاز للهيئة الدينية الإسلامية وحرصت على أن تمتد جذورها في أوساط الشعب والجيش وكل رعايا الدولة المسلمين وقد أصبحت أفراد هذه الهيئة يتولون مناصب القضاء والإفتاء وتدريس علوم الدين واللغة والمشاركة على نحو مافي إدارة الأوقاف الخيرية وإقامة ... الدينية والإشراف على المساجد والمؤسسات الدينية والخيرية مثل التكايا والأسبلة وغيرها وكان أفراد من الهيئة الدينية الإسلامية الحاكمة يصحبون شتى فرق الجيش إلى ميادين القتال ويقومون قبل المعركة بتسخين الجنود روحياً ابتغاء رفع روحهم المعنوية ويضربون للجنود أروع الأمثلة على استبسال الجنود المسلمين في صدر الإسلام حين انطلقوا على موجات بشرية متلاحقة من قلب شبه الجزيرة العربية واتجهوا شرقاً إلى العراق وفارس، وشمالاً إلى بلاد الشام، واتجهوا إلى مصر ثم شمال إفريقية، وعبروا البحر المتوسط إلى الأندلس. ويذكرون لهم الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تدور حول الجهاد الديني والفوز بإحدى الحسنيين: النصر أو الاستشهاد. ويشرحون لهم مواقف الصحابة واسترخاصهم الموت حتى استطاعت الجيوش الإسلامية وقتذاك أن تدك معاقل دولة الفرس والدولة البيزنطية، كما كان رجال الهيئة الدينية الإسلامية يؤمون الجنود في صلاة الخوف وهم في ساحات القتال .. (?).
كان علماء الدولة الذين قادوا الهيئة الدينية ينظرون إلى السلطان على أنه يعتبر إماماً للمسلمين وتجب عليهم طاعة السلطان بصفته ولي الأمر كما يأمرهم سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا .. } (سورة النساء، آية: 59).
وكانوا يعتقدون ليس لولي الأمر طاعة فيما وراء الشريعة لأن الطاعة لهم تبعية، وليست أصلية، إنها طاعة مستمدة من أصل، وليست هي بذاتها أصلا. وقد أشار إلى هذا المعنى أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين في أول خطبة عامة ألقاها بعد مبايعته بالخلافة أوضح فيها منهجه في الحكم وكان مما جاء في هذه الخطبة المشهورة قوله: " أيها الناس إني وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني ... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم .. " (?).
وهكذا طلب أبو بكر من جموع المسلمين طاعته طالما كان سائراً على هدى الله وسنة رسوله. لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وكان العلماء وعلى رأسهم شيخ الإسلام يعتمدون على الشريعة عند الخلاف مع السلطان أو الصدر الأعظم ولايسمحون لهم أن ينحرفوا عن مبادئ الشريعة (?) وكان الشعب يقف معهم ويلتحم معهم في القضايا المصيرية، لأن العلماء كانوا يملكون القوتين الروحية والأدبية اللتين تمثلتا في ممارسة أعمال القضاء والإفتاء والإمامة والإشراف على المساجد وإقامة الشعائر الدينية وإدارة المؤسسات الخيرية، ونشاطهم في مجالات التعليم بشتى درجاته وعلى قمتها الدراسات العليا في الكليات حيث كانوا يقومون بتدريس علوم الشريعة الإسلامية وأصول الدين ولذلك كانوا أكثر التفافاً برجل الشارع وأكثر تفاهماً وتعاطفاً وتجاوباً مع الأهلين (?).
12: (حذارِ حذارِ لايغرنك المال ولا الجند وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك، وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحكام الشريعة فإن الدين غايتنا والهداية منهجنا وبذلك انتصرنا):