بقوَّة، تجعله ينهض للمكارم ابتغاء وجه الله، غير منتظر من أحد جزاءً ولا شكوراً يشرح صدره للحلم والعفو ومعالي الأخلاق امتثالاً لأمر الله، وطلباً لرضاه والفوز بنعيم الآخرة، فهو إن أبغض فبغضه لله وهكذا في شأنه كله (?)، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) (الأنعام، الآيتان: 162 ـ 163). فكان الحسن يقول: من تزين للناس بما لا يعلمه الله منه شانه ذلك (?). وكان يقول: روي عن بعض الصالحين أنه كان يقول: أفضل الزهد إخفاء الزهد (?) وقيل وعظ يوماً، فتنفس رجل الصعداء، فقال: يا ابن أخي ما عساك أردت بما صنعت؟ إن كنت صادقاً فقد شهرت نفسك، وإن كنت كاذباً فقد أهلكتها ولقد كان الناس يجتهدون في الخفاء وما يسمع لأحدهم صوت، ولقد كان الرجل ممن كان قبلكم يستكمل القرآن فلا يشعر به جاره، ولقد كان الآخر يتفقه في الدين ولا يطلع عليه صديقه، ولقد قيل لبعضهم، ما أقل التفاتك في صلاتك وأحسن خشوعك؟ فقال: يا ابن أخي وما يدريك أين كان قلبي (?)؟ وكان يقول: نظر رجاء بن حيوة إلى رجل يتناعس بعد الصبح، فقال: انتبه عافاك الله لا يظن ظان أن ذلك عن سهر وصلاة فيحبط عملك (?). وقال الحسن: ولقد حُدثت أن رجلاً مر برجل يقرأ: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)) (مريم، الآية: 96). فقال: والله لأعبدن الله عبادة أذُكَر بها في الدنيا، فلزم الصلاة واعتكف على الصيام حتى كان لا يفطر ولا يرى مصلياً وذاكراً، وكلما مر على قوم قالوا: ألا ترون هذا المرائي ما أكثر رياءه، فأقبل على نفسه وقال: ثكلتكِ أمك لا أراك تذكري إلا بِشرَ ولا أراك أُصِبتِ إلا بفساد نيتكِ وفساد معتقدكِ، وأنك لم تردى الله بعملك، ثم بقى على عمله لم يزد عليه شيئاً إلا إن نيته انقلبت (?)، فتغير الحال ووضع الله له القبول ـ ولا يمر بقوم إلا قالوا: يرحم الله هذا، ثم يقولون: الآن الآن وكان الحسن يقول: أخلصوا لله أعمالكم (?)، وكان يقول: ابن آدم تلبس لُبسة العابدين، وتفعل أفعال الفاسقين، وتخبت أخبات المريدين، وتنظر نظر المغترين، ويحك! ما هذا خصال المخلصين، إنك تقوم يوم القيامة بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (?)، وكان يقول روي أن سعيد بن جبير رأى رجلاً متماوتاً في العبادة فقال يا ابن أخي إن الإسلام حيّ فأحيه ولا تمته أماتك الله ولا أحياك وكان يقول: من ذم نفسه في الملأ فقد مدحها وبئس ما صنع (?).