الموت (?)، وفي رواية: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكر الآخرة (?)، وكان الحسن البصري كثير الزيارة للقبور، فلما ماتت النوار بنت أعين بن ضبعية المجاشعي امرأة الفرزدق، وكانت قد أوصت أن يصلي عليها الحسن البصري، فشهدها أعيان أهل البصرة مع الحسن والحسن على بغلته، والفرزدق على بعيره، فسار فقال الحسن للفرزدق، ماذا يقول الناس؟ قال يقولون: شهد هذه الجنازة اليوم خير الناس يعنونك، وشر الناس يعنوني، فقال له: يا أبا فراس، لست بخير الناس، ولست أنت بشر الناس، ثم قال الحسن: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة، فلما أن صلى عليها الحسن مالوا إلى قبرها فأنشأ الفرزدق يقول:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشد من القبر التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسوّاق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد دار من مشى ... إلى النار مغلولا القلادة أزرقا
يساق إلى نار الجحيم مسربلا ... سرابيل قطران لباساً مخرقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم ... يذوبون من حرّ الصديد تمزقا
قال: فبكى الحسن حتى بلّ الثرى، ثم التزم الفرزدق وقال: لقد كنت من أبغض الناس إليَّ، وإنك اليوم من أحب الناس إلي (?). وكان الحسن يتعظ بالمقابر ويتدبر في أحوالها، فعن عوانه قال: قال الحسن: قدم علينا بشر بن مروان ـ أخو عبد الملك بن مروان الخليفة ـ أمير المصرين، وأشب الناس، وأقام عندنا أربعين يوماً، ثم طعن في قدميه فمات،، وأخرجناه إلى قبره، فلما صرنا إلى الجبان فإذا نحن بأربعة سودان يحملون صاحباً لهم إلى قبره، فوضعنا السرير فصلينا عليه، ووضعوا صاحبهم فصلوا عليه، ثم حملنا بشراً إلى قبره وحملوا صاحبهم إلى قبره، ودفنا بشراً ودفنوا صاحبهم ثم انصرفوا وانصرفنا، ثم التفت التفاتة فلم أعرف قبر بشر من قبر الحبشي، فلم أر شيئاً قط كان أعجب منه (?). وقد ذكر العلماء أمور أخرى تزيل قسوة القلوب كالإحسان إلى اليتامى والمساكين، والنظر في ديار الهالكين والاعتبار بمنازل الغابرين (?).
ـ الإخلاص: إن لإخلاص العمل تأثيراً عظيماً في مكارم الأخلاق، فهو يمد قلب صاحبه