الخوارج في اليمن وتحذير الناس من آرائهم (?)، وإليك حواره مع أبي شمَّر الخولاني لما دخل على وهب بن منبه برفقة داود بن قيس، وتكلم داود لوهب وقال عن صاحبه أبي شمّر الخولاني إنه من أهل القرآن والصلاح، والله أعلم بسريرته، فأخبرني أنه عرض له نفر من أهل حروراء ـ يعني الخوارج ـ فقالوا له: زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزئ عنك، لأنهم لا يضعونها في موضعها، فأدها إلينا، ورأيت يا أبا عبد الله أن كلامك أشفى له من كلامي، فقال: يا ذا خولان أتريد أن تكون بعد الكبر حرورياً تشهد على من هو خير منك بالضلالة؟ فماذا أنت قائل لله غداً حين يقفك الله؟ ومن شهدت عليه، فالله يشهد له بالإيمان، وأنت تشهد عليه بالكفر، والله يشهد له بالهدى وأنت عليه بالضلالة، فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله وشهادتك شهادة الله؟ أخبرني يا ذا خولان ماذا يقولون لك؟ فتكلم عن ذلك وقال لوهب: إنهم يأمرونني أن لا أتصدق إلا على من يرى رأيهم ولا أستغفر إلا له، فقال: صدقت، هذه محنتهم الكاذبة، فأما قولهم في الصدقة، فإنه قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها (?)، أفإنسان مما يعبد الله يوحده ولا يشرك به أحب إلى الله أن يطعمه من جوع أو هرة؟ واله يقول: ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)) (الإنسان، الآية: 8). وأما قولهم لا يستغفر إلا لمن يرى رأيهم أهم خير أم الملائكة، والله يقول: ((وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ)) (الشورى، الآية: 5) فوالله ما فعلت الملائكة ذلك حتى أمروا به ((لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)) (الأنبياء، الآية: 27). وجاء ميسراً ((وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) (غافر، الآية: 7)، واستمر معه في الحوار والنقاش إلى أن قال ذو خولان: فما تأمرني؟ قال: انظر زكاتك فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة، وجمعهم عليهم، فإن الملك من الله وحده وبيده يؤتيه من يشاء فإذا أديتها إلى والي الأمر برئت منها، وإن كان فضل فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك والضيف، فقال: أشهد إني نزلت عن رأي الحرورية (?). توفي وهب رحمه الله سنة عشر ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك (?)، وقيل إن يوسف بن عمر والي اليمن ضربه حتى قتله (?)، ولعل ذلك بسبب موقف وهب من جور يوسف بن عمر المشهور بعنفه وظلمه (?).
تكونت في مصر مدرسة كان شيوخها من الصحابة الذين رحلوا إليها أيام الفتح ونزلوا في