قط أبلغ من بلال بن سعد (?)، ومن مواعظه العميقة: يا أهل التُقى إنكم لم تُخلقوا للفناء وإنما تُنقلون من دار إلى دار، كما نُقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الخلود في جنة أو نار (?). ومن أقواله: لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر من عصيت (?). وقال الأوزاعي سمعته يقول: والله لكفى به ذنباً أن الله يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها (?). وقد توفي سنة نيف وعشرة ومائة.
لما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كانت المدينة عاصمة الدولة الإسلامية وموطن الخلافة، وفيها تفتق عقل الصحابة في استخراج أحكام إسلامية، تصلح لما جد من شئون في المجتمعات الإسلامية، بعد الفتوح التي كثرت وفي عهد عمر بن الخطاب بلغ فقهاء الصحابة المفتون 130 مائة وثلاثين صحابياً وكان المكثرون منهم سبعة: عمر وعلي وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر (?)، وورث علماء التابعين الفقه والعلم والتربية والدعوة، وأما أشهر علماء التابعين: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسليمان بن يسار، ونافع مولى ابن عمر (?)، وقد تحدثت عن دور فقهاء وعلماء التابعين بالمدينة في نشأة عمر بن عبد العزيز.
احتلت هذه المدرسة المكانة في قلوب المؤمنين، الساكنين والثائبين على بلد الله الحرام، الحجاج والعمار والزوار، بل أخذت مكة بألباب كل مؤمن رآها أو تمنى أن يراها، ولقد كان العلم بمكة يسير زمن الصحابة، ثم كثر في أواخر عصرهم وكذلك في أيام التابعين، وزمن أصحابهم، كابن أبي نجيح، وابن جريج (?)، إلا أن مكة اختصت زمن التابعين بحبر الأمة وترجمات القران ابن عباس رضي الله عنهما الذي صرف جل همه، وغاية وسعه إلى علم التفسير، وربى أصحابه على ذلك، فنبع منهم أئمة كان لهم قصب السبق بين تلاميذ المدارس في التفسير،