أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني بما بُلِّغْتَ من خيري
كم باليمامة من شعثاءَ أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنَّظَرِ
ممن يعدُّكَ تكِفي فقد والِدِه ... كالفَرخَ في العش لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوة ملهوف كأنَّ به ... خبلاً من الجِنَّ أو مساّ من البشر
خليفة الله ماذا تأمرون بنا ... لسنا إليكم ولا في حار منتظر
ما زلت بعدك في هم يُؤرقني ... قد طال في الحيِّ إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا بادٍ على حضر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدراً ... كما أتى ربَّهُ موسى على قدر
هذي الأرامل قد قضَّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
الخير ما دمت حياً لا يفارقنا ... بوركت يا عمر الخيرات من عمر
فقال: يا جرير ما أرى لك فيما ها هنا حقاً، قال: بلى يا أمير المؤمنين أنا ابن سبيل ومنقطع. فأعطاه من صلب ماله مائة درهم ... ثم خرج، فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراضٍ، ثم أنشأ يقول:
رأيت رُقَي الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا (?)
وهذا منهج جديد في عهد الدولة الأموية للتعامل مع الشعراء فقد كان الشعراء يمدحون الملوك والأمراء طلباً لرفدهم، ويدخلون في قصائدهم المبالغات والكذب إلى أن تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز، فقصدوه، فكان موقفه من الشعراء كما تبين من الخبر المذكور، فقطع تلك العادة التي تفسد بنية المجتمع وتشجع على سيادة الأخلاق السيئة من الكذب والتغرير والنفاق، فقطع تلك العادة السيئة ولم تعد إلى الظهور إلا بعد وفاته (?) ولقد اعترف جرير بأن الشياطين كانوا من وراء الشعراء في استفزاز الأمراء الممدوحين، وأن عمر بن عبد العزيز قد تميز بحصانته من أولئك الشياطين (?):
قرّب عمر بن عبد العزيز من الشعراء من التزم شعر الزهد وذكر الموت والخوف من الآخرة