حضور تلك المواطن، أيسر على ذي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه، وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء مما ينتفع به، وليفتتح كل غلام منهم بجزء من القرآن يثبت في قراءته، فإذا فرغ، تناول قوسه ونبله وخرج إلى الغرض (?) حافياً، فرمى سبعة أرشاق (?). ثم أنصرف إلى القائلة (?)، فإن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: يا بَني قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل (?). ونلاحظ على هذه التوجيهات الأمور الآتية:
1 ـ اختيار المعلم والمؤدب الصالح: فالمعلم أو المربي يعد حجر الزواية في عملية التعليم، فقد اختار معلم أولاده من خاصته ومواليه وعلى علم به وثقة فيه، ولم يكتف عمر بمولاه سهل لتأديبهم وتعليمهم بل عهد بتأديبهم أيضاً إلى أستاذه ومؤدبه الأول صالح بن كيسان (?). ولم يقف حرص عمر رحمه الله على تعليم أولاده وأدبهم عند هذا الحد، بل اختار من كبار علماء عصره من يختبر عقل أولاده وأدبهم عند هذا الحد، بل وجدناه يختار من كبار عصره من يختبر عقل أولاده وأدبهم، فقد كلف ميمون بن مهران أن يأتي ابنه عبد الملك فيستشيره وينظر إلى عقله. قال ميمون: فأتيناه ـ يعني عبد الملك بن عمر ـ فاستأذنت عليه فقعدت عنده ساعة، فأعجبت به (?).
2 ـ تحديد المنهج التعليمي: حدد عمر بن عبد العزيز المنهج التعليمي والمقررات الدراسية التي يريد لأولاده أن يتعلموها، حيث يتكون من القرآن الكريم وعلومه وبقية العلم من العلوم الأخرى، والتدريب على الجهاد والقتال والصبر عليه، وكذلك التمرين على الرماية ودقة الإصابة وممارسة الرياضة البدنية بالسير إلى الأهداف حفاة ليعتادوا على ذلك مع ما يحتويه المنهج من أوقات للراحة، أما حجم المقرر اليومي فجزء واحد من القرآن الكريم بتثبت ووعي بالإضافة إلى ما يتناسب مع ذلك الجزء من علوم الدين الأخرى وكذلك الرمي بسبعة أرشاق مع ما يتطلبه ذلك من السير إلى أغراض والسير بينها فكان منهج ذا أهداف سامية، إذ يجمع بين الدين والدنيا، ويراوح بين البدن والروح، والقول والعمل (?) تلك أهداف ارتدت عنها خائبة، جلّ برامج التعليم والتربية الحديثة (?).