ولدت أختار لي أهلي أسماً فسموني عمر، فلو ناديتني: يا عمر، أجبتك، فلما اخترت لنفسي الكُنى فكنيت بأبي حفص، فلو ناديتني يا أبا حفص أجبتك، فلما وليتموني أموركم سميتموني: أمير المؤمنين، فلو ناديتني يا أمير المؤمنين أجبتك، وأما خليفة الله في الأرض، فلست كذلك ولكن خلفاء الله في الأرض داوود والنبي صلى الله عليه وسلم وشبهه (?)، مشيراً على قوله تعالى: ((يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)) (ص: آية:36). ومن تواضعه أن نهى الناس عن القيام له، فقال: يا معشر الناس: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، فإنما يقوم الناس لرب العالمين، وكان يقول للحرس: لا تبتدئوني بالسلام، إنما السلام علينا لكم (?)، وكان متواضعاً حتى في إصلاح سراجه بنفسه، فقد: كان عنده قوم ذات ليلة في بعض ما يحتاج إليه، فغشى سراجه، فقام إليه فأصلحه فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نكفيك؟ قال: وما ضرني؟ قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز (?)، ومن تواضعه أيضاً قال يوماً لجارية له: يا جارية روّحيني قال: فأخذت المروحة فأقبلت تروحه، فغلبتها عينها فنامت، فانتبه عمر، فإذا هو بالجارية قد أحمّر وجهها، وقد عرقت عرقاً شديداً ـ وهي نائمة ـ فأخذ المروحة واقبل يروحها، قال: فانتبهت، فوضعت يدها على رأسها فصاحت، فقال لها عمر: إنما أنت بشر مثلي أصابك من الحر ما أصابني، فأحببت أن أروحك مثل الذي روحتني (?)، وكان يمتنع عن كثرة الكلام ـ وهو العالم الفصيح المفوّه ـ خشية على نفسه من المباهاة بما عنده، أو يظن الناس به ذلك، فكان يقول: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة (?)، ودخل عليه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين، إن من كان قبلك كانت الخلافة لهم زيناً، وأنت زين الخلافة، وإنما مثلك كما قال الشاعر:

وإذا الدرّ زان حسن وجوه ... كان للدرّ حسن وجهك زيناً

فأعرض عنه (?). وقال له رجل: جزاك الله عن الإسلام خيراً. فقال: لا بل جزى الله الإسلام عني خيراً (?)، ودخل عليه رجل، وهو في ملء من الناس فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال عُمّ سلامك (?)، وهكذا أمير المؤمنين عمر، يخفض الجناح للمؤمنين، ولا يتكبر على أحد من عباد الله، ولم تزده الخلافة إلا تواضعاً ورأفة ورحمة، ولم يحمله المنصب إلا على الإخبات والخضوع لسلطان الحق، يصلح سراجه بنفسه، ويجلس بين يدي الناس على الأرض، ويأبى أن يسير الحراس والشُّرط بين يديه، ويعنّف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015