والاحترام، ونتيجة لحسن معاملة عمر بن عبد العزيز له تجاوب سعيد معه قال ابن كثير: وكان سعيد لا يأتي أحد من الخلفاء وكان يأتي عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة ومرة أرسل عمر بن عبد العزيز رسولاً إلى سعيد ليسأله في مسألة فأخطأ الرسول فدعاه فلما جاء سعيد قال عمر: أخطأ الرسول، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك (?). فانظر كيف كان حرص عمر على تقديره، وانظر أيضاً كيف سارع سعيد إلى المجيء إليه تقديراً له (?). كان عالم المدينة وسيد التابعين مدرسة في الأخلاق والقيم والمبادئ ومن حياته يستفاد دروس وعبر وفوائد منها:
1 ـ تزويجه ابنته: كانت بنت سعيد قد خطبها عبد الملك لابنه الوليد، فأبى عليه (?)، وزّوج سعيد ابنته لابن أبي وداعة أحد تلاميذه فعن ابن أبي وداعة ـ قال: كنت أجالس سعيد بن المسِّيب، ففقدني، اياماً، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: تُوُفِّيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألاَّ أخبرتنا فشهدناها، ثم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوِّجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا فقلت: وتفعل؟ قال: نعم، ثم تحمَّد، وصلىَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وزوّجني على درهمين ـ أو قال: ثلاثة فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر فيمن أستدين. فصليتُ المغرب، ورجعت إلى منزلي، وكنت وحدي صائماً، فقدمت عشائي أُفطر وكان خبزاً وزيتاً، فإذا بأبي يقرع فقلت من هذا؟ فقال: سعيد. فأفكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيِّب، فإنه لم يُر أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فخرجت، فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له فقلت يا أبا أحمد ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ قال: لا أنت أحق أن تؤتي، إنك كنت رجلاً عزباً فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه أمرتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب، وردَّ الباب. فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم وضعت القصعة في ظلَّ السراج لكي لا تراه، ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران، فجاؤوني فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم. ونزلوا إليها وبلغ أميَّ، فجاءت وقالت" وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أُصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثاً ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق زوج، فمكثت شهراً لا آتي سعيد بن المسيب ثم أتيته وهو في حلقته فسلَّمت، فردَّ عليَّ السلام، ولم يُكلمني حتى تقوَّض المجلس، فلما لم يبق غير قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبا محمد، على ما يحب الصديق، ويكره العدو، قال: إن رابك شيء فالعصا. فانصرفت إلى منزلي، فوجَّه إليَّ بعشرين ألف درهم (?).