ثلمة فيها وصاح صيحة الأسد: حتى متى يا سمرقند يعشش فيك الشيطان أما والله لئن أصبحت لأحاولنّ من أهلك أقصى غاية، فلما أصبح أمر الناس بالجد في القتال فقاتلوهم، واشتد القتال، وأمرهم قتيبة أن يبلغوا ثلمة المدينة ورماهم الصغد بالنشاب فلم يبرحوا، فأرسل الصغد إلى قتيبة، فقالوا له: انصرف عنا اليوم، حتى نصالحك غداً، فقال: لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة .. فصالحهم من الغد على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام، وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس وأن يخلو له المدينة فلا يكون فيها مقاتل، فيبني فيها مسجداً، ويدخل ويصلي ويخطب ويتغذى ويخرج (?). دخل قتيبة سمرقند وحطم ما بها من الأصنام ولم يعبأ بما خوفه منها حيث قال له أحدهم مدعياً نصيحته: لا تتعرض لهذه الأصنام فإن منها أصناماً من أحرقها أهلكته، فقال له: أنا أحرقها بيدي، فأمر بإشعال النار، وكبر ثم أحرقها، فوجدوا من بقايا مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال (?)،وبعد أن أتمّ قتيبة هذا الفتح العظيم عاد إلى مرو، لكي يستريح، ثم يستعد لجولته الأخيرة، التي سيفتح فيها المناطق السيحونية (?).
وهي المرحلة التي فتح الله فيها على يديه أقاليم الشاش وفرغانة وكاشغر وقد بدأ هذه المرحلة سنة 94هـ، حيث سار في موعد غزوه ـ في الصيف ـ ومعه عشرون ألفاً من أهل بخارى وكش ونسف، وخوارزم (?)، فوجه قسماً منهم إلى الشاش وتوجه هو بالقسم الآخر إلى فرغانه، حيث دار بينه وبين الترك قتال عنيف حول مدينة خجنده، ويبدو أن نتيجة المعركة لم تكن حاسمة، حيث توجه قتيبة إلى كاشان قبل أن يحسم أمر خجنده وهناك أتاه جنوده الذين كان أرسلهم إلى الشاش ويبدو أن قتيبة قد وجد مقاومة شرسة من الأتراك في هذه البلاد، فقد كتب إلى الحجّاج يطلب مدداً، فأرسل إليه جيشاً من العراق (?)، ثم أمر محمد بن القاسم الثقفي أن يوجه إليه من السند مدداً (?) أيضاً، فإمداد قتيبة بهذه الجيوش من العراق ومن السند (?)، فوق ما معه من قوات كبيرة، يدل على قوة المقاومة التي لقيها في أقاليم سيحون، كما يدل على قوة عزم المسلمين في الجهاد، وأنه أراد أن يكون متفوقاً عليهم، حتى يحقق هدفه، وقد نجح بالفعل وفتح أقاليم الشاش وفرغانة 95هـ (?)، وبعد أن أتم هذا الفتح الكبير، جاءته الأخبار بموت الحجّاج في شوال في تلك السنة، فاغتم لموته، لما كان يجد منه من التأييد والتشجيع والمساندة وقفل راجعاً إلى مرو، وتمثل قول الحطيئة: