أولي الأمر، لذلك بادر سليمان حرصاً على وحدة الدولة وسلامتها من الإنقسام إلى عزل موسى بن نصير عما كانت تحت يده من الأعمال (?)، ومن الأسباب التي ذكرت في سبب استدعاء موسى إلى دمشق تخوف الوليد على المسلمين أن يكونوا في أرض منقطعة، ومحاطة بمناطق غير إسلامية وعلى اتصال بها، هي أقرب إليها من العالم الإسلامي أو مراكز ارتباطه واستمداده وهو الذي رأيناه عارض فتح الأندلس خوفاً على المسلمين أن يخوضوا المخاطر ويركبوا المهالك حتى بين له موسى ألا داعي للخوف (?)، ويرى الكثير من المؤرخين أن موسى بن نصير لم يكن يعتزم التوقف في فتوحاته عند هذا الحد وإنما كان يخطط لعبور جبال البرانس واجتياح أوربا كلها والوصول إلى القسطنطينية وفتحها من جهة الغرب لولا أن استدعاه الخليفة الوليد إلى دمشق وأمره بالتوقف بالفتح عند هذا الحد، ويؤكد المؤرخون أنه لو قد قدر لموسى بن نصير أن يمضي قدماً في مشروعه هذا لتغير شكل النظام الدولي تماماً ولقضى على القوى غير الإسلامية، ذلك أنهم باستقرائهم النظام الدولي وقتئذ فإنهم يؤكدون أن احتمالات نجاح مشروعه هذا كانت عالية جداً، إذا لم تكن الظروف مواتية لنجاحه مثلما كانت مواتية وقتها، فمملكة الفرنجة كانت مشغولة وقتها بصراعاتها مع الممالك الأخرى ولم يكن هناك كيان سياسي واحد في أوربا كلها يعادل قوة الدولة الإسلامية أو حتى بدايتها، ويشير هؤلاء المؤرخون إلى أنه لما قدر للمسلمين في هذه المنطقة قائد كفء بعد عشرين عاماً من ضياع هذه الفرصة كانت الظروف الدولية قد تغيرت لغير صالح المسلمين، فلما حاول هذا القائد إحياء مشروع موسى بن نصير هزم هزيمة ضخمة تدخل في تاريخ العلاقات الدولية بوصفها نقطة تحول وهي معركة بلاط الشهداء (?)، وقد تكرست الآثار السلبية لعدم استكمال موسى بن نصير لمشروعه بفشل حصار المسلمين للقسطنطينية بعد ذلك بسنوات قليلة وهو ما أغلق أوربا أمام المسلمين من الشرق بعد أن كانت قد أُغلقت أمامهم من الغرب، ولقد فشل المحللون في تفسير سبب استدعاء الخليفة الوليد لموسى بن نصير، فبعضهم قائل إنه أشفق على المسلمين من مخاطر هذا المشروع البحري، وبعضهم الآخر يؤكد أن الخليفة إنما خاف على سلطانه من تصاعد نفوذ وقوة موسى بن نصير وسواء صحت هذه التفسيرات أو أخطأت، فإن ما حدث بالفعل بعد استدعاء موسى بن نصير إلى دمشق، هو تقويض هدف مصيري للأمة أضاعت فيه فرصة ثمينة في فتح أوربا وجعلها تحت نفوذ الدولة الإسلامية (?).