جميع الأعصار والأمصار وأن ما يخشى من افتراق المسلمين بالشورى خير من وحدتهم بالاستبداد على المدى البعيد (?)، وإن الاستمرارية في ممارسة الشورى مع ما يعتريها من عوائق ومصاعب تثري الأمة في الفقه السياسي وتقطع بها مسافات كبيرة في هذا المجال ولهذا تعثر الفقه السياسي في مسيرته التاريخية ولم ينطلق الانطلاقة المطلوبة منه بسبب النظام الوراثي والاستبدادي.
إن عبد الملك بن مروان شق طريقه نحو الملك بسفك الدماء وقتل الأبرياء والخروج على الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير، فلم يراعي حرمته كصحابي جليل، ولم يلتمس عذراً لابن عمه عمرو بن الأشدق، ويحرص على الوفاء لعهده، ولم يحترم الزمالة والصداقة مع مصعب بن الزبير،، ولا ننكر بأن عبد الملك بن مروان كان من عقلاء الرجال ودهاتهم، ومن أكثرهم حزماً وشجاعة وإقداماً (?)، وقد أثبت عبد الملك كفاءة عالية في إدارة الدولة وسياستها وكان غير هياب يمضي إلى هدفه بعزيمة ثابتة، ولا يعرف اليأس إلى نفسه سبيلا، ولا يتردد عن قيادة المعارك بنفسه، ولقد استطاع بعد جهود جبارة أن يعيد الوحدة ويجمع شمل الأمة الإسلامية وأن يصفي خصومه الواحد بعد الآخر، بالصبر والجلد والمثابرة، وعمل على توطيد دعائم دولته ونجح في ذلك نجاحاً فائقاً، ولم تكن تأخذه هوادة أو رحمة بكل من يحاول أن يعكر صفو الدولة أو يخرج عليها وقد استحق عبد الملك عن جدارة لقب المؤسس الثاني للدولة الأموية، بعد معاوية مؤسسها الأول (?)، وقد عمل على توطين الأمن في البلاد وتفرغ للخوارج وقمع الثورات، ومن أشهر الحركات التي خرجت في عهده، حركة الأزارقة والصفرية وابن الأشعث واستطاع أن ينتصر عليها جميعاً، إن عبد الملك بن مروان أصبح أمير المؤمنين بعد مقتل ابن الزبير وبيعة المسلمين له ومذهب عامة أهل السنة والجماعة، أن الإمامة يصح أن تنعقد لمن غلب الناس، وقعد بالقوة في موضع الحكم (?)، إلا أنه يجب أن يفهم أن هذه حال ضرورة والضرورات تبيح المحظورات فهذه حال إلجاء واضطرار كأكل الميتة ولحم الخنزير، وقبولها لأنها خير من الفوضى التي تعم الناس. وعلى هذا فإنه يجب ألا توطن الأمة نفسها على دوام هذا الوضع، بل يجب عليها أن تعمل على تغيير الإمامة الناقصة بإمامة كاملة مستوفاة الشروط المطلوبة في الإمام الحق بالوسائل التي لا يكون فيها فتنة بين الناس، ويجب السعي دائماً لأن يكون الإمام آتياً عن الطريق الصحيح وهو طريق أهل الحل والعقد، ومع إن إمامة المتغلب تنعقد نظراً إلى حال الضرورة كما قلنا، إلا أن الغالبية العظمى من علماء