الفصل السابع
عهد أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان دون الفتوحات
اجتمعت الأمة بعد مقتل عبد الله بن الزبير على عبد الملك بن مروان وأصبح الخليفة الشرعي وهو أول خليفة ينتزع الخلافة بقوة السيف والقتال، مما اثر على الفقه السياسي بعد ذلك أكبر الأثر، فإذا كان معاوية قد أصبح خليفة بعد الصلح مع الحسن بن علي وإجتماع الأمة عليه طواعية عام الجماعة، وإذا كان ابنه يزيد قد بويع من الأمصار في حياة أبيه ثم بعد وفاته، وإذا كان ابن الزبير قد بويع بعد وفاة يزيد وهو بمكة من عامة الأمصار عن رضا واختيار، فإن عبد الملك أول خليفة انتزع الخلافة انتزاعاً وبايعه كثير من الناس، بعد أن قتل عبد الله بن الزبير ليبدأ عصر الخليفة المتغلب وهو ما لم يكن للأمة به عهد من قبل، لقد أجمع الصحابة ـ رضي الله عليهم ـ على أن الإمامة إنما تكون بعقد البيعة بعد الشورى والرضا من الأمة، كما أجازوا الاستخلاف بشرط الشورى ورضا الأمة بمن اختاره الإمام، وعقد الأمة البيعة له بعد وفاة من اختاره دون إكراه، كما أجمعوا على أنه لا يسوغ فيها التوارث ولا الأخذ لها بالقوة والقهر، وأن ذلك من الظلم المحرم شرعاً (?). قال ابن حزم: لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام أنه لا يجوز التوارث فيها (?)، غير أن الأمر الواقع بدأ يفرض نفسه، وصار بعض الفقهاء ـ بحكم الضرورة ـ يتأولون النصوص لإضفاء الشرعية على توريثها وأخذها بالقوة لتصبح هاتان الصورتان بعد مرور الزمن هما الأصل الذي يمارس على أرض الواقع، وما عداهما نظريات لا حظ لها من التطبيق العملي (?)، إلا في حالات نادرة.
وأصبحت سنة هرقل وقيصر بديلاً عن سنة أبي بكر وعمر؟ (?).
وقد أجاز كثير من الفقهاء طريق الاستيلاء بالقوة من باب الضرورة مع إجماعهم على حرمتها مراعاة لمصالح الأمة وحفاظاً على وحدتها وأصبح الواقع يفرض مفاهيمه على الفقه والفقهاء، وصارت الضرورة والمصلحة العامة تقتضي تسويغ مثل هذه الطرق إن الاستبداد والاستيلاء على حق الأمة بالقوة، وإن كان يحقق مصلحة آنية ـ إلا أنه يفضي إلى ضعف الأمة مستقبلاً وتدمير قوتها وتمزيق وحدتها، كما هو شأن الاستبداد في