9 - منهج ابن عمر في الفتن: لم يكن ابن عمر بمنأى عن الأحداث السياسية من حوله, بل كانت له نظراته وتحليلاته لتلك الأحداث, وتميز ابن عمر بمواقفه في الفتن تميزًا واضحًا, فقد عايش عددًا من الفتن التي ابتليت بها الأمة الإسلامية آنذاك, وقد كشفت تلك الفتن عن حكمة بالغة ونظرة ثاقبة للأحداث, مما جعله بحق مدرسة مليئة بالدروس المفيدة والآداب الجمة التي اهتدى بها كثير من الناس في عصره, وأصبحت بعده معلمًا يقتدى به من بعده (?) , كما قال سفيان الثوري -رحمه الله-:
يقتدي بعمر في الجماعة وبابنه في الفرقة (?).
ومن أبرز ما يميز منهج ابن عمر في التعامل مع الفتن ما يلي:
أ- تجنب القتال والحرص على حقن دماء المسلمين:
وقد وردت عدة روايات توضح موقف ابن عمر رضي الله عنهما من ذلك القتال الدائر في الفتنة الأولى والثانية, فعن القاسم بن عبد الرحمن قال: قالوا لابن عمر في الفتنة الأولى: ألا تخرج فتقاتل؟ فقال: قد قاتلت والأنصاب بين الركن والباب حتى نفاها الله عز وجل من أرض العرب, فأنا أكره أن أقاتل من يقول: لا إله إلا الله. قالوا: والله ما رأيك ذلك, ولكنك أردت أن يفنى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم بعضًا, حتى إذا لم يبق غيرك قيل: بايعوا
لعبد الله بن عمر بإمارة المؤمنين. قال: والله ما ذلك فيَّ, ولكن إذا قلتم: حي على الفلاح أجبتكم, وإذا افترقتم لم أجامعكم, وإذا اجتمعتم لم أفارقكم (?) , وجاءه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس قد صنعوا ما ترى, وأنت ابن عمر وصاحب رسول الله, فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم عليّ دم أخي المسلم, قال: ألم يقل الله: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ" [البقرة:193] فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله, فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يرد قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في علي وعثمان؟ أما عثمان فكان الله قد عفا عنه فكرهتم أن تعفوا عنه, وأما علي, فابن عم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وختنه, وأشار بيده, وهذا بيته حيث ترون (?).
ولم يكتف ابن عمر - رضي الله عنه - بالحرص على كف نفسه وتجنيبها إراقة
دماء المسلمين, بل سلك بعض السبل التي تؤدي إلى تجنب المسلمين إراقة
الدماء فيما بينهم, من ذلك محاولته الجادة -خلال الخلاف بين ابن الزبير
وعبد الملك بن مروان- لإنهاء القتال بينهما حقنًا لدماء المسلمين (?). فروى المدائني أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يأمره بتقوى الله وأن يكف نفسه, فكتب إليه عبد