فسمعت والدته قوله فقالت: تصبر والله إن شاء الله, أبوك أبو بكر والزبير, وأمك صفية بنت عبد المطلب (?).
4 - استشهاد ابن الزبير - رضي الله عنه -: إن الثبات على المبدأ -وإن كان يعارض مصالح الشخص, ويعرضها للخطر- يعتبر من أنبل الصفات, وقد تأصلت هذه الصفة في ابن الزبير, فما وهن وما ضعف وما استكان في سبيل المبادئ التي نادى من أجلها, ففي آخر يوم من حياته صلى ركعتي الفجر ثم تقدم وأقام المؤذن فصلى بأصحابه فقرأ: "ن وَالْقَلَمِ" حرفًا حرفًا, ثم سلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة بليغة جاء فيها: ... فلا يرعكم وقع السيوف فإني لم أحضر موطنًا قط إلا ارتثثت فيه من القتل, وما أجد من أدواء جراحها أشد مما أجد من ألم وقعها. صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم, لا أعلم أمرأ كسر سيفه, واستبقى نفسه, فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل, غضوا أبصاركم عن البارقة, وليشغل كل امرئ قرنه, ولا يلهينكم السؤال عني, ولا تقولن: أين عبد الله ابن الزبير؟ ألا من كان سائلاً عني فإني في الرعيل الأول.
أبي لابن سلمى أنه غير خالد ... ملاقي المنايا أي صرف تيممًا
فلست بمُبتاع الحياة بسُبَّة ... ولا مُرتَق من خشية الموت سُلَّما
احملوا على بركة الله. ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون, فرُمي بآجرة فأصابته في وجهه فأرعش لها, ودمي وجهه, فلما وجد سخونة الدم يسيل على
وجهه ولحيته قال:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما (?)
وقاتلهم قتالاً شديدًا, فتعاونوا عليه فقتلوه يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة (?) , وتولى قتله رجل من مراد, وحمل رأسه إلى الحجاج, وسار الحجاج وطارق بن عمرو حتى وقفا عليه, فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا. فقال الحجاج: أتمدح مخالف أمير المؤمنين؟ قال: نعم هو أعذر لنا, ولولا هذا لما كان لنا عذر, إنا محاصروه منذ سبعة أشهر وهو في غير جند ولا حصن ولا منعة فينتصف منا, بل يفضل علينا, فبلغ كلامهما عبد الملك فصوب طارقًا (?) , ولما صلب ابن الزبير ظهرت منه رائحة المسك (?) , وقد ذكر أن ابن الزبير في يوم استشهاده قال: ما أُراني اليوم إلا مقتولاً, لقد رأيت في ليلتي كأن السماء فرجت لي, فدخلتها, فقد -والله- مللت الحياة وما فيها (?).