وكنت كذي طمرين عاش ببُلْغةٍ
من العيش حتى زار ضيق المقابر (?)
وقد أوصى معاوية بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال كأنه أراد أن يُطيَّب له، لأن عمر بن الخطاب قاسم عمّاله (?). وذكروا أنه في آخر عمره اشتد به البَرْدُ فكان إذا لبس أو تغطَّى بشيء ثقيل يَغُمُّه، فاتُّخذ له ثوب من حواصل الطير (?)، ثم ثقل عليه بعد ذلك، فقال: تبَّاً لك من دار ملكتك أربعين سنة، عشرين أميراً، وعشرين خليفة، ثم هذا حالي فيك، ومصيري منك، تباً للدنيا ومُحبِّيها (?)، ولما اشتد المرض وتحدث الناس أنه الموت قال لأهله، أحشوا عيْنيّ إثمداً، وأوسعوا رأسي دُهناً. ففعلوا وبرّقوا (?) وجهه بالدهن، ثم مُهِّد له فجلس وقال: أسندوني. ثم قال: إئذنوا للناس فليُسلموا عليَّ قياماً ولا يحبس أحد. فجعل الرجل يدخل فيُسلم قائماً فيراه متكحِّلاً مُتدهِّناً، فيقول متقوِّل الناس: هو لمّا به (?)، وهو أصح الناس، فلما خرَجوا من عنده (?) تمثل معاوية بقول أبي ذؤيب الهذلي الشاعر:
وتجلدي للشامتين أريهم
أني لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كلَّ تميمة لا تنفع
وكان به النقابة (?)، فمات من يومه ذلك (?)، وكان يقول لما نزل به الموت: يا ليتني كنت رجلاً من قريش بذى طوى ولم أَلِ من هذا الأمر شيئاً (?)، ومن الشعر الذي تمثل به أيضاً قول الشاعر:
إن تناقش يكن نقاشك يا ربِّ
عذاباً لا طوق لي بالعذاب
أو تجاوز تجاوز العفو فاصفح
عن مسيءٍ ذنوبه كالتُّراب (?)
وقال رضي الله عنه وهو يُقَلبّ في مرضه، وقد صار كأنه سعفة محترقة: أي شيخ تقلِّبون إن نجاه الله من النار غداً (?)؟، وقال الحسن البصري: دُخل علىمعاوية وهو بالموت، فبكى، فقيل: ما يبكيك؟
قال: ما أبكي على الموت أن حل بي، ولا على دنيا أخلفها ولكن هما قبضتان: قبضة في الجنة، وقبضة في النار، فلا أدري في أي القبضتين أنا (?)