خوفاً من الفتنة وحرصاً على وحدة الصف، فقد توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بعيد خروج معاوية من المدينة ولم يبق من المعارضين إلا ثلاثة هم ابن عمر وابن الزبير والحسين بن علي، أما ابن عمر فلما رأى الناس مجتمعة على يزيد بايعه وأرسل بيعته بعد وفاة معاوية رضي الله عنه وقال: إن كان خيراً رضينا به وإن كان بلاءً صبرنا (?)، وانحصرت المعارضة في شخص ابن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهما، وقد حاول بعض الناس أن يلفقوا على معاوية رضي الله عنه تحسره من بيعة يزيد فنقلوا عنه أنه قال: لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي (?). والسند من طريق الواقدي وهو متروك (?)،
ونسبوا إليه أيضاً أنه قال ليزيد: ما ألقى الله بشيء أعظم من نفسي من استخلافك (?). والسند من الطريق الهيثم بن عدي وهو كذاب (?)، ولقد اعتمد محمد رشيد رضا رحمه الله على هذه الرواية وتحامل على معاوية تحاملاً قاسياً (?)، ولقد تورط الكثير من الباحثين في الروايات الضعيفة والموضوعة فيما يتعلق بتاريخ صدر الإسلام وبنوا عليها تصورات وأفكار وأحكام تحتاج إلى إعادة نظر من جديد.
ومع ما وقع من إنحراف في تغيير النموذج الأعلى لنظام الحكم الإسلامي، الذي تتمثل فيه روح الإسلام كاملة وهو الخلافة واستبدال الملك العضوض به (?)، إلا أن الطابع الإسلامي هو الصفة الغالبة على مظهر الدولة، وتصرفات الحكام، فالصلاة تؤدي في أوقاتها، والزكاة تحصَّل من أربابها والصوم فريضة لا يُعارض في أدائها، وإقامة الحدود دون هوادة لم يقف شيء دون تنفيذها، والجهاد في سبيل الله فريضة ماضية بين رجالها، وبالجملة كانت تعاليم الإسلام مطبقة بحذافيرها (?).
لما حضر معاوية الموت وذلك سنة 60 هـ وكان يزيد غائباً، دعا بالضحاك بن قيس الفهري ـ وكان صاحب شرطته ـ ومسلم بن عقبة المري، فأوصى إليهما فقال: بلغا يزيد وصيني، أنظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم وتعهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك فإن نابك شيء من عدوك فانتصر