بالخلافة من يزيد في سابقته وعلمه وعمله ومكانه وصحبته كعبد الله بن عمر وابن عباس وغيرهم فأين الثرى من الثرية (?)؟ ومهما مبدأ توريث الحكم من الأب لابنه.
وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة، فإنهم لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب، فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد، بل يقولون إن للذنوب أسباب تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات المحاية، والمصائب المكفرة، وغير ذلك وهذا أمر يعم الصحابة وغيرهم (?)، ومعاوية رضي الله عنه من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببريء من الهنات والله يعفو عنه (?)، والذي يجب أن نعتقده في معاوية أن قلوبنا لا تنضوي على غل لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بل نقول: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) (الحشر، الآية: 10) ونقول بأن معاوية اجتهد للأمة خوفاً عليها من الانقسام والفتن، ولا يمكن أن يحمل تبعات كل أخطاء الملوك والأمراء الذين جاؤوا من بعده، كما قرره عبد القادر عوده ـ رحمه الله ـ: حيث يقول: وأقام معاوية أمر الأمة الإسلامية على المحجات والظلم وإهدار الحقوق، وقضى على الشورى وعطل قول الله تعالى: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) (الشورى، الآية: 38) وحوّل الحكم العادل النظيف إلى حكم قذر قائم على الأهواء والشهوات، ووجه الناس إلى النفاق والذلة والصغار، ولا شك فيه أن كل من جاؤوا بعده إلى عصرنا هذا قد عمل بسنته وتثبتوا ببدعته حاشا عمر بن عبد العزيز، فعلى معاوية وقد استن هذه السنة السيئة إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة (?).
وإذا كان معاوية أو الخلفاء الأمويين قد حوّل الخلافة من الشورى إلى الملك، فإن حفيده معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ثالث خلفاء الأمويين قد أعاد الخلافة من الملك العضوض إلى الشورى الكاملة .. وإنه لما يستوجبه الإنصاف أن تصاغ القضية على هذا النحو بدلاً من التركيز على الشق الأول الخاص بتوريث الخلافة فقط ولم تستطع الأمة التي أعطيت حقها في اختيار خليفتها أن تعود إلى شكل من أشكال الاختيار السابق في عصر الراشدين، وبرز بوضوح دور العصبية الإقليمية والقبلية وحسم في النهاية الصراع الدائر حول منصب الخلافة لمصلحة البيت الأموي واستطاعت الشام أن تحقق الحسم التاريخي بعمق الالتحام بين بنائها القبلي والوجود الأموي بها (?)، وسيأتي بإذن الله التفصيل عن حديثنا عن معاوية الثاني والحقيقة أن بيعة يزيد قد قبلها الكثير حتى الصحابة رضوان الله عليهم فقد بايعه ستوت من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيهم ابن عمر (?)