كانت تحن إلى مرتع طفولتها في البادية، وتكثر ذكر أهلها وحياتهم البسيطة وصوف عيشتهم، وبعدهم عما يكدرهم، وتزهد في حياة القصور، بما فيها من الخدم والوصيفات، وذات يوم تذكرت باديتها وحنت إلى أترابها وأناسها، وتذكرت مسقط رأسها فبكت وتنهّدت فقالت لها بعض حظاياها: ما يبكيك وأنت في مُلْكٍ يضاهي ملك بلقيس؟ فتنفست الصعداء ثم أنشدت:
لبيت تخفق الأرواح فيه
أحبّ إليَّ من قصر منيف
وبكر (?) يتبع الأظعان سبقاً
أحبّ إليَّ من بَغْلِ زفوف (?)
وكلب ينبح الطّراق عني
أحبّ إليَّ من قطٍ أليف
ولبسُ عباءةٍ وتقرّ عيني
أحبّ إليَّ من لبس الشفوف (?)
وأكل كُسيرة في كِسْر بيتي
أحبّ إليَّ من أكل الرّغيف (?)
وأصوات الرّياح بكلِّ فجٍّ
أحبّ إليَّ من نقر الدفوف
وخِرْق من بني عمي نحيف
أحبّ إليَّ من عِلْج كليف (?)
خشونة عيشي في البدو أشهى
إلى نفسي من العيش الطّريفِ
فما أبغي سوى وطني بديلاً
فحسبي ذاك من وطن شريف
فلما دخل معاوية عرَّفَته الحظيّة بما قالت: وقيل: إنه سمعها وهي تنشد ذلك فقال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني عِلجاً علوفاً، هي طالق، مُرُوها فلتأخذ جميع ما في القصر فهو لها، ثمَّ سيرها إلى أهلها بالبادية فأخذت معها ابنها يزيد فنشأ في البريّة فصيحاً (?)
ونقل البغدادي ـ رحمه الله ـ في خزنة الأدب، إن معاوية لما طلقها قال لها كنت فبْنت، فأجابته: ما سُررنا إذْ كُنَّا، ولا أسفنا إذْ بِنَّا (?). والله درَّ القائل حيث أشار إلى هذا في قوله:
وحبّبَ أوطان الرّجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالك
إذا ذكروا الأوطان ذكّرتهم
عهود الصِّبا فيها فحنّوا لذلكا (?)
2 ـ ومن زوجاته، فاخته ابنة قرَظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف، ولدت له عبد