قالت: كيف وجدتم ابن حُديج في غزاتكم هذه؟ قلت: خير أمير، ما يقف لرجل منا فرس ولا بعير إلا أبدل مكانه بعيراً، ولا غلاماً إلا أبدل مكانه غلاماً. قالت: إنه لا يمنعني قتله أخي أن أُحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أُمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به، ومن شقّ عليهم فأشقق عليه (?)،
وبعد أن استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، كانت جبهة شمال أفريقيا، من أولى الجبهات التي وجه إليها اهتمامه، لأنها تتاخم حدود مصر الغربية من ناحية ومن ناحية أخرى فهي تخضع لنفوذ الدولة البيزنطية، العدو اللدود للمسلمين والتي صمم أمير المؤمنين معاوية على تضييق الخناق عليها، وعدم إعطائها فرصة لالتقاط أنفاسها، ففي الوقت الذي واصل فيه ضغطه عليها من الشرق، وزحفه على جزرها في البحر المتوسط تمهيداً للوصول إلى عاصمتها القسطنطينية ـ كما سبق ذكره ـ نراه قد قرر أن يطوقها من الجنوب، من شواطي شمال إفريقيا التي كانت تعتبرها من أملاكها، ففي أول سنة من حكمه 41 هـ أرسل معاوية بن حديج على رأس حملة إلى إفريقيا ثم أرسله ثانية سنة 45 هـ على رأس حملة من عشرة الآف مقاتل، فمضى حتى دخل إفريقيا وكان معه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، ويحيى بن الحكم بن العاص، وغيرهم من أشراف قريش، فبعث ملك الروم إلى إفريقية بطريقاً يقال له: نقفورا في ثلاثين ألف مقاتل، فنزل الساحل، فأخرج إليه معاوية بن حديج عبد الله بن الزبير في خيل كثيفة، فسار حتى نزل على شرف عال ينظر منه إلى البحر بينه وبين مدينة سوسة (?)،
اثنا عشر ميلاً، فلما بلغ ذلك نقفوراً أقلع من في البحر منهزماً من غير قتال، ورجع بن الزبير إلى معاوية بن حديج وهو بجبل القرن، ثم وجه ابن حديج عبد الملك بن مروان في ألف فارس إلى مدينة جلولاء (?) فحاصرها وقتل من أهلها عدداً كثيراً حتى فتحها عنوة، وأغزى معاوية بن حديج جيشاً في البحر إلى صقلية في مائتي مركب، فسبوا وغنموا وأقاموا شهراً، ثم انصرفوا إلى إفريقيا بغنائم كثيرة (?)، وبعد هذه الفتوح عاد معاوية بن حديج إلى مصر دون أن يترك قائداً أو عاملاً، ويفهم من هذا التصرف ومن سلوك معاوية بن حديج أثناء هذه الغزوة أن البربر أهل البلاد كانوا قد