إن السيف، يمكن أن يفتح الأرض، ولكنه لا يفتح القلوب، والذي حدث في حركة الفتح الإسلامي لم يكن مجرد التوسع في الأرض، إنما كان فتح القلوب لتعتنق الإسلام، وكان ـ في كثير من الأقطار اتخاذ لغة الدين لغة رسمية، ونسيان الشعوب المفتوحة ما كانت تستعمله من قبل من اللغات، حتى الذين بقوا على دينهم بغير إكراه لو لم يكن الفاتحون مسلمين حقاً، بمعنى الإيمان بهذا، وممارسته في عالم الواقع والتمكن منه عقيدة وسلكاً وحركة، ما حدثت هذه العجائب في الفتح الإسلامي وأمر آخر يتعلق بهذه القوة ذاتها إنها في غالب الأحيان لم تكن هي الأكبر عدداً وعدة وخبرة حربية ... ، إنما كان العدد والعدة والخبرة في الجانب الآخر، جانب الذين انهزموا أمام قوة المسلمين، فلو لم يكن هناك عنصر آخر غير مادي ـ في جانب الفاتحين ما تمكنوا من التغلب على أعدائهم الذين يفوقونهم في فنون الحرب، كما يفوقونهم في العدد والعدة سواء، ذلك العنصر هو العقيدة الحية التي تملأ القلوب وهذه هي الدلالة التي نركز عليها هنا في وجه الدعاوي التي تقول إن انحرافات بني أمية قضت على هذا الدين وهو بعد في المهد وتلك نقطة ينبغي أن نقف عندها طويلاً حتى نقومها في نفوس الدارسين، ينبغي أن نلغي من حسهم ذلك الإيحاء الخبيث بأن الإسلام قد انتهى بعد الخلافة الراشدة ولم يعد له وجود، ويكون ذلك بعرض الواقع الإسلامي بأمانة كاملة ودقة كذلك .. وسيتبين لنا بالحساب، حساب مجموع الانحرافات ومجموع الاستقامات أن الحصيلة المتبقية ضخمة جداً رغم وجود الانحراف. ويكون هذا بالتالي فرصة سانحة لتقدير عظمة هذا الدين وضخامته، وأصالة جذوره في التربة وتعمقها، بحيث تبقى هذه الحصيلة الضخمة وتبقى تلك الحيوية، التي تسعى لنشر الدين في الأرض بكل الإصرار والتدفق والحماسة التي قام بها المسلمون في العهد الأموي بالذات (?).

وأما ما حدث من الهبوط عن مستوى الذروة فقد حدث ولا شك على درجات متفاوتة في بعض أفراد المجتمع، أو قل إن شئت في كثير منهم، وهذا لا يعتبر في ذاته انحرافاً إنما هو الأمر المتوقع بعد غياب شخص الرسول، صلى الله عليه وسلم عن ذلك المجتمع، وبعد زوال أثر النشأة الجديدة من نفوس الناس، فنحن الآن لسنا في العهد الذي شهد التحول العظيم من الجاهلية إلى الإسلام، إنما العصر الذي يليه، ولكن فلنذكر جيداً تزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الجيل من الناس: خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (?). فنحن إذن ما زلنا مع القرون المفضلة، وليس بعد شهادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم شهادة بشر (?)، صحيح أننا الآن مع المستوى العادي للإسلام، ولكنا ـ ذلك المستوى رفيع في ذاته، وإن لم يكن على مستوى الذروة التي وصل إليها الجيل الفريد، وأنه يحقق للناس من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015