إسلام أبي سفيان عند فتح مكة، ودور العباس فيها أكبر دليل على ذلك، كما سنبينها في الصفحات القادمة بإذن الله، والغريب أن المقريزي الذي ألف كتاباً خاصاً عن علاقات الهاشميين والأمويين وجعل محوره النزاع والتخاصم، يعترف بالصداقة الوطيدة التي كانت بين العباس وأبي سفيان (?)،
فإذا كانت الصداقة الوطيدة قائمة، ووطيدة بين زعماء البيتين ـ الأموي والهاشمي ـ وهما ابناء أب واحد، وهو عبد مناف بن قصي، فإن الحدس بتأصيل النزاع بينهما بعد الإسلام والرجوع به إلى ما قبل الإسلام لا سند له من تاريخ (?).
إن الكتاب المنسوب للمقريزي "النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم، لا يمكن أن أن يتصور عاقل أن يد المقريزي قد خطت حرفاً واحداً من هذا الكتاب. لأن المقريزي ـ لا يمكن أن ينزل إلى هذا الدرك من إلغاء العقل، والجهل بالأحكام، فمؤلف هذا الكتاب ألفه صاحبه في عصر الإنحدار الطائفي، والتهافت العاطفي، وتخلى فيه عن صفة المؤرخ، وبعد عن سجية العلماء، حيث جعل هذا الكتاب متنفساً عن بغضاء مكتومة، وحقد دفين، جعلها أساساً لحكمه وشعاراً لكتابه (?)، ويرى الدكتور إبراهيم شعوط أن الكتاب منسوب للمقريزي (?)، والذي يهمنا أن ما قرّره صاحب الكتاب من أن العداوة مستحكمة بين بني أمية وهاشم وأنها قديمة لا يثبت هذا الإدعاء أمام البحث العلمي النزيه، إن الذين ينظرون إلى تاريخ بني أمية من خلال موقف أبي سفيان من الإسلام في مكة ومن خلال ما دار بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من حروب يبنون على ذلك كما فعل العقاد أوهاماً من صراع تاريخي قبل الإسلام وبعده بين بني هاشم وبني أمية وتلك أوهام ليس لها من التاريخ إلا رواية ملفقة أو أحداثاً عارضة لا تمثل قط صراعاً بين هذين الفرعين الكريمين من بني عبد مناف وهما ذروة الشرف في قريش (?)، والذي يظهره البحث العلمي النزيه وبعد ترك الروايات والأساطير الساقطة يتضح أن العلاقة بين البطنين كانت طبيعية مثلها مثل العلاقة بين باقي بطون قريش.
لقد كان تعامل الأمويوين مع الدعوة الناشئة هو نفس تعامل بقية بطون قريش للدعوة الجديدة من أمثال بني مخزوم وبني هاشم وغيرهم ولنأخذ على ذلك مثالاً وهو كيفية تعامل بني هاشم رهط النبي صلى الله عليه وسلم وأقرب بطون قريش إليه مع الدعوة، فإن منطق العصبية السائد في الجاهلية يقتضي أن يتلقف بنو هاشم الدعوة الجديدة التي تحقق لهم العزة والشرف بالإيمان والنصرة وأن يقفوا خلف النبي الهاشمي بالتأييد والبذل، وقد وقفوا إلى جواره فعلاً في بعض المواقف