اشتهر أمير المؤمنين معاوية بصفة الحلم وكان يضرب به المثل في حلمه رضي الله عنه, وكظم غيظه وعفوه عن الناس وقد ذكر ابن كثير ما كان يتصف به أمير المؤمنين معاوية من الحلم حيث قال: وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً, فقيل له: لو سطوت عليه: فقال: إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي, وفي رواية قال له رجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك!! فقال: إني لا ستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي وقال الأصمعي عن الثوري قال: قال معاوية: إني لأستحي أن يكون ذنب أعظم من عفوي, أو جهل أكبر من حلمي, أو تكون عورة لا أواريها بستري. وقال معاوية: يابني أمية فارقوا قريشاً بالحلم, فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما, وأرجع وهو لي صديق, إن استنجدته أنجدني, وأثور به فيثور معي, وما وضع الحلم عن شريف شرفه, ولا زاده إلا كرماً, وقال: لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم (?) وسئل معاوية: من أسود الناس؟ فقال: أسخاهم نفساً حين يسأل, وأحسنهم في المجالس خلقا, وأحلمهم حين يستجهل (?) , وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان معاوية يتمثل بهذه الأبيات كثيراً:
فما قتل السفاهة مثل حلم
يعود به على الجهل الحليم
فلا تسْفَه وإن ملِّئتَ غيظاً
على أحد فإن الفحش لُوْمُ
ولا تقطع أخاً لك عند ذنب
فإن الذنب يغفره الكريم (?)
وكتب معاوية إلى نائب زياد: إنه لا ينبغي أن يُساسَ الناس سياسة واحدة باللين فيمرحوا, ولا بالشدة فيُحَْمَلَ الناس على المهالك, ولكن كن أنت للشدة والفظاظة والغلظة, وأنا للين والألفة والرحمة, حتى إذا خاف خائف وجد بابا يدخل منه (?).
فهذه الأقوال المروية عن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه تبين لنا شيئاً مما اشتهر عنه من الاتصاف بخلق الحلم, وقد كان هذا الخلق همزة وصل بينه وبين من يعاملونه بشيء من الجفاء من أفراد رعيته, أو يصارحونه بقوة - بما يرونه حقاً وهو يخالفهم في ذلك, وكان لتخلقه بخلق الحلم الذي لم يخالطه ضعف أثر في نجاحه في تثبيت أركان دولته, وذلك بمقدرته الفائقة على امتصاص غضب المخالفين, وتحويلهم إلى الرضى والقناعة بسياسته, وهكذا تأتي مكارم الأخلاق التي من أهمها الحلم والعفو والصبر والكرم لتكون من أهم عناصر السيادة, وقد أبان في هذه الأقوال بأن الحلم يخالطه شيء من الذل كما أن النصر يخالطه شيء