فإن الكتابات الإسلامية الأصيلة ظلت ملتزمة ومتشبتة بالمثال الكامل ولا تستخلص مبادائها إلا منه وتفرق بين الخلافة وهي الخلافة الحقيقية الشرعية, والخلافة الواقعية التي بعدت قليلاً أو كثيراً عن الحقيقة (?) , وقد ذكر ابن تيمية: أن مصير الأمر - أي الخلافة - إلى الملوك ونوابهم من الولاة والقضاة الأمراء ليس لنقص فيهم فقط, بل لنقص في الراعي والرعية جميعاً, فإنه كما تكونوا يوّل عليكم وقد قال تعالى:" وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا" (الأنعام: 129).

لقد ذهبت دولة الخلفاء الراشدين, وصار ملكاً ظهر النقص في الأمراء, وكذلك في أهل العلم والدين وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة, حتى إنه لم يبق من أهل بدر إلا نفر قليل وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك, وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية, وأوائل الدولة العباسية (?).

2 - هل يعتبر معاوية رضي الله عنه أحد الخلفاء الاثني عشر؟

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم, فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة, قال: ثم تكلم بكلام خفي عليَّ, قال: فقلت لأبي: ما قال, قال: كلهم من قريش (?) , وفي رواية أخرى عن جابر: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشرة خليفة .. كلهم من قريش (?) وفي رواية أخرى عنه: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة .. كلهم من قريش (?) , زاد أبو داود في سننه, بإسناده عن جابر رضي الله عنه قال: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون الهرج (?). وقد شرح ابن كثير هذا الحديث فقال: ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ويعدل فيهم, ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم, بل قد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم, ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة, وبعض بني العباس, ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة, والظاهر أن منهم المهدي المُسرِّ به في الأحاديث الواردة بذكره .... وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامراء (?) , فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية, بل هو من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015