إن الثورة العباسية شأنها شأن الثورات الكبرى في التاريخ، تظهر بأشكال متعددة وتندفع في مجراها قوى متنوعة على الصعد الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولا شك أن الموالى كان لهم حضورهم، إلا أنهم كانوا في صفوف الجنود والإتباع، ولم يكونوا قادة إلا في استثناءات، كانت الثورة العباسية هي ثورة اليمانية الكبرى، كما كانت ثورة الشيعة العباسية والمرجئة والقدرية والخوارج وكان لكل من هذه القوى نصيب فيها، وإن كانت العديد من هذه القوى قد تعرضت للتصفية على يد أبي مسلم نفسه فيما بعد (?)، ويقول أبو جعفر المنصور موجهاً كلامه لليمانية معترفاً لهم بدورهم المتميز في نجاح الثورة: فيحق لنا أن نعرف لهم حق نصرهم لنا وقيامهم بدعوتنا ونهوضهم بدولتنا (?) ... وقد تكون هذه الصورة التي تجعل من الثورة العباسية ثورة يمانية مبالغ بها إذ أن القيسيين والمتذمرين من سياسة نصر بن سيار ومروان بن محمد انضموا كذلك إلى صفوف الثوار العباسيين وعملوا بدورهم على إسقاط الدولة الأموية (?)، باختصار كانت الثورة العباسية هي ثمرة حسن استغلال تراكم معارضات عدة بدأت مُنذ لحظة هذه الثورة بواجهات متعددة ورفعت شعارات مختلفة، حاولت فيها كسب كل المتذمرين ضد الحكم الأموي، فانضم إليها الغلاة والمعتدلون، المسلمون وغير المسلمين، العرب وغير العرب (?)

إن هذا التعقيد في الثورة العباسية هو سر نجاحها، فالشعارات التي رفعتها كانت عامة غامضة، لا تختلف ربما عن سواها إلا أن هذه المرة اكتسبت مضموناً مختلفاً عندما تبنتها قوى متعددة ورأت فيها مشروعها للخلاص، وإنما على قاعدة تلك البنية التنظيمية التي صنعها أناس أكفاء استطاعوا الصمود رغم ما أحاط بهم من منوعات القمع، حتى تحقق الانتصار الكبير (?). وقد استهدفت الدعوة العباسية في رحلتها السرية أعداء الدولة الأموية والذي من أهمهم:

أ- المهالبة الذين حاربتهم الدولة الأموية وتتبعتهم بعد مقتل يزيد بن المهلب، والمهالبة يمنيون.

ب- الموالي، فقد كان هؤلاء يدفعون من الضرائب مقدارً كبيراً، ولا يعاملون بالتساوي مع العرب وكان عليهم ضغط من كل جهة، فكانوا أعداء الدولة بطبيعة الأمر.

ج- وكان بجانب هؤلاء عدو قوي للأمويين وهم الشيعة فالشيعة العلوية وكانت لا تزال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015