فأصبحت الغداة عليَّ تاج ... يملُك النَّاسِ ما يَبْغي انتقالاً (?)
يختلف الإخباريون والمؤرخون في صاحب القصيدة، أما رواة اليمنية فيقطعون بأنها للوليد، وفي ذلك يقول الطبري مُتَحرَّزاً من روايتهم: قال الوليد بن يزيد - فيما يزعم الهيثم بن عدى - شعراً يوبخ به أهل اليمن في تركهم نصرة خالد بن عبد الله (?). وعلى الرغم من أن الإخباريين كالمدائني ومن أخذوا عنه كالبلاذري والطبري وابن خلدون يجمعون على أن القصيدة مفتعلة، لفقها أحد شعراء اليمنية ونحلها للوليد، فإن أسلوب القصيدة يرجح أنها ليست للوليد، فهو أسلوب جزل معقول سهل، لا التواء فيه ولا خشونة ولا غرابة، مما يخالف أسلوب الوليد في شعره الفخري، الذي يتصف بقلة التنقيح، والتهذيب وببعض العوض والقلق وتنتشر فيه أوابد الألفاظ وشواردها ويشيع فيه وحشي الكلام ومهجورة (?). وقد ساهم منصور بن جمهور الكلبي في تحميس القبائل اليمانية وَحثَّها على تقويض حكم بني أمية متهما لهم بالطغيان والعدوان، ودامغاً خلفاءهم المتأخرين بأنهم ولدان وغلمان ومندداً بسياستهم، وفتكهم برؤساء اليمنية وتقريبهم للمضرية (?)، وأنشد في هذه المعاني أبيات من الشعر، وناصر اليمنية في حملته الإعلامية التحريضية على الوليد وبنى أمية بعض شعراء ربيعة مثل حمزة بن بيض الحنفي الكوفي وذكر في أشعاره الظلم والمجانة والانحراف، وارتكاب المعاصي والإلحاد .. فألهبت هذه القصائد التي تصايح بها شعراء اليمنية وأحلافهم من الربيعية عواطف اليمنية، وفجرت نقمتهم على الوليد والمضرية، إذ يقول أبو حنيفة الدنيوري واصفاً أثر القصيدة الأولى في اليمنية: ولما سمع من كان بأقطار الشام من اليمانية هذا الشعر أنِفوا أنفاً شديداً، فاجتمعوا في مدن الشام، وساروا نحو الوليد بن يزيد (?).
ب- وأما الوسيلة الثانية التي لجأ إليها اليمنية في الشام فهي التخطيط السري المنظم للثورة بالوليد، فجعلوا يبحثون عن زعيم يثقون به، ويشاركهم آلامهم وآمالهم، بعد أن استنكف خالد بن عبد الله القسرى عن قيادتهم، وخذلهم قبل هلاكه، فوجدوا في يزيد بن الوليد بن عبد الملك الزعيم المنشود، إذ كان حانقاً على الوليد مثلهم، وكان يُفتش عن أنصار مخلصين، وزاد من اطمئنان اليمنية إليه وإقبالهم عليه أنه كان مُصهراً إليهم، فقد كان متزوجاً امرأة منهم اسمها هند بنت زبان الكلبي (?)، وكان له منها ثلاثة أبناء هم أبو بكر، وعبد المؤمن،