إن البرية قد ملت وِلاَيتكم ... فاستمسكوا بعامود الدين وارتدعوا
فلن تزالوا رؤوسَ الناس ما صَلَحُوا ... وما شكرتم وأضحى العهد يُتّبُع (?)
وكان من الأمراء الكبار الذين مع الوليد بن يزيد، مروان بن محمد بن الحكم وسعيد بن عبد الملك بن مروان، فقد كانوا ينكرون الوثوب بالوليد ويسعون إلى ردع الأمراء الصغار المتذمرين المتسرعين ورتق الفتن بينهم وبين الوليد ولكنه كان بعيداً بأرمينية، ويظهر أن مروان وسعيداً لم يعرفا أن يزيد ابن الوليد يدعو لنفسه، ويتربص بالوليد إلاَّ في وقت متأخر وبلغ مروان ذلك قبل سعيد، فاستفظعه وكتب إلى سعيد يحثه على تدارك الفتنة قبل وقوعها (?)، إذا يقول في كتابه له: إن الله جعل لكل أهل بيت أركانا يعتمدون عليها. ويتَّقون بها المخاوف، وأنت بحمد ربك ركن من أركان أهل بيتك ... ألخ في رسالة طويلة فلم وصلت سعيد أعظم ذلك، وبعث بكتابه إلى العباس بن الوليد فدعا يزيد، فعذله وتهدَّده فخذره يزيد وقال: يا أخي، أخاف أن يكون بعض من حسدنا هذه النعمة من عدونا أراد أن يُغري بيننا، وحلف له أنه لم يفعل، فصدقه (?).
وواضح أن يزيد بن الوليد كان أقوى أعداء الوليد بن يزيد من الأمراء الأمويين الصغار الذي لم تُحَنَّكهم التجارب، ولم يكونوا يستشرفون عواقب التبَّاغض والتطاحن والتصارع على الملك ولا كانوا يكترثون بتدهور الخلافة الأموية وسقوطها، فزَيَّن يزيد لأنداده من الأمراء الصغار الثورة على الوليد واستهواهم بآرائه، وما كان يظهر من النُّسك والورع والتواضع، فاندفعوا إليه وآمنوا بآرائه وأيدوا خطته ومطامعه، فعملوا للأدلة من الوليد، إرضاء لغرورهم وكبريائهم، أو بحثا على الوجاهة والنباهة أو انتقاماً من الوليد، لأنه أهملهم وأبعدهم واستهان بهم وأما الأمراء الأمويون الكبار، فإنهم لم ينجحوا في إزالة أسباب الفرقة واستئصال جذور الفتنة، لعوامل مختلفة، منها ما يعود إلى بُعد بعضهم وتسترَُ العباس بن الوليد بن عبد الملك على أخيه يزيد، ومنها ما يُرّدُّ إلى خُبْث يزيد ودهائه، ومراوغته ومخادعته لأخيه العباس كلما نَهَرهُ وردعه ومُضِيهَّ في العمل والتخطيط واستقطاب الأنصار (?) سراً، ومنها استبداد الوليد بن يزيد برايه.
تراكم تَذمُّر اليمنية وتسخطهم بالشام والعراق، وكانوا بدءوا يضجون بالشكوى من بني أمية،