المالية بما يكفل زيادة الواردات ونقص المصروفات في شيء من الدقة والضبط والتشدد والجور، وربما ظروف الدولة في زمنه، والمتمثلة في خوض حروب خارجية في كل الجبهات في الشرق مع الصّغد والترك، وفي الشمال مع الأرمن والخزر والروم، وفي الغرب مع الفرنجة إلى جانب الحركات الداخلية كثورة ابن المهلب وغيرها (?)،
وما يستدعيه ذلك من مصروفات كبيرة، قد دفعه إلى تجاوز الحدود في جلب الأموال أحياناً، كما أن يزيد لم يسير على نهج عمر في التقشف على نفسه ورجاله والعمل على ترشيد المصروفات، فنجده على سبيل المثال يأمر عامله على مكة أن يحمل أحد المغنين على البريد ويقدم له ألف دينار نفقة الطريق ليستمع منه أبياتاً من الشعر، بينما نرى عمر بن عبد العزيز يؤنب ابن حزم عامله على المدينة على إسرافه في الورق والشمع ويؤنب عامله على اليمن على تضييعه دنانير من بيت المال (?). وقد عمل يزيد بن عبد الملك على اتخاذ إجراءات مالية متشددة كان هدفها توفير أموال لخزانة الدولة ليتمكن من الإنفاق على جيوشه المحاربة في الداخل وعلى الحدود (?) ومما يذكر هنا من باب حرصه على الأموال ما رواه ابن كثير، من أن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان قد اتهم الخليفة عمر بن عبد العزيز بأنه أختان من أموال المسلمين كل ما قدر عليه من جوهر نفيس ودر ثمين، وأنه خبأها في بيتين في داره مملوئين، فبعث يزيد إلى أخته فاطمة زوجة عمر يسألها عن ذلك، فقالت: ما ترك سبد ولا لبد (?)، فسار بنفسه إلى دار عمر ودخل البيتين اللذين أشار إليهما عمر بن الوليد ليفتشهما، وفي صحبته عمر بن الوليد، فلما دخلهما وجدهما خاليين من الأموال، وقد هُيئتا للعبادة، حيث اتخذ عمر من أحداهما خلوة يخلو فيها بنفسه ويتدبر أمر دينه ودنياه، والأخرى مسجداً يعبد الله فيه ليلاً فبكى يزيد، وخرج عمر بن الوليد مخذولاً (?) ومن الأمثلة على مخالفة يزيد لسياسة عمر بن عبد العزيز المالية:
أ- الخراج: عن الخليفة يزيد بهذا المورد تنظيماً وضبطاً وتشدداً وعسفاً، وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز قد عمد إلى إصلاح كثير من الأمور وأقر يزيد بعض ما ضعه وأصلحه (?)، إلا أن من الحق الإشارة إلى أن سياسة يزيد في هذا الصدد قد شابها الحرص والرغبة في زيادة الموارد، فاشتد على الناس وأضر بأهل الخراج، ووضع الخراج على من لم يكن يؤديه (?).
ب- الضرائب: لم يكن يزيد بن عبد الملك يزن الأمور بميزان شرع الإسلام في كل الأحوال، فقد عهد يزيد إلى كثير مما أبطله الخليفة عمر من الضرائب المستحدثة والغير الشرعية، فأمر بإعادة فرضه وجبايته، كما كان يُجْبىَ قبل عمر، ووضع ضرائب جديدة، وليس