أنه عندما أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز رسولاً إلى ملك الروم، وقص عليه قصة رجل أسير في بلد الروم ـ وقد مرت معنا ـ أجبر على ترك الإسلام وإعتناق النصرانية، قائلين له: إن لم تفعل سملت عينك، فاختار دينه على بصره فسملت عيناه، فأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى ملك الروم وقال له: أقسم بالله، لأن لم ترسله إلي لأبعثن إليك من الجنود جنوداً يكون أولهم عندك وآخرهم عندي (?)، فاستجاب ملك الروم لطلبه، وبعث بالرجل إليه (?). وكان سياسة عمر بن عبد العزيز المرحلية تقوم على ضبط الثغور وحدود الدولة الإسلامية والإهتمام بفتح العقول، وأحياء القلوب وتطهير النفوس للشعوب الجديدة التي دخلت في الإسلام ولذلك بدأ يرسل سرايا الدعاة والعلماء للبدو القاطنين داخل الدولة الإسلامية وللشعوب التي كانت في أشد حاجة لتعاليم الإسلام.
ركز عمر جهوده بالبناء الداخلي للدولة لترسيخ وحدتها وأمنها ونشر العلم وتوصيله لكل أفراد الأمة ما أمكن لذلك سبيلا، كما اهتم على نشر العدل بين الرعية وإزاحة الضغائن والأحقاد من بين المسلمين وقد استهدف عمر بن العزيز قلوب الناس وعقولهم ونفوسهم بتعاليم الإسلام ووضع مشروعاً كبيراً لتحقيق ذلك الهدف العظيم ولم يكن عمر بالإنسان الذي تستهويه المشاريع الكبرى، فيقف عند حدود الخيال لا يتعداه، بل حوّل مشروعه إلى برنامج عملي قابلاً للتطبيق، بعدما مهد الظروف، وأحاط برامجه بالضمانات العملية وهيَ له الأسباب مما جعله يحيله إلى واقع مشهود وقد ساعده على نجاح مشروعه الدعوي التربوي العلمي أمور منها:
1ـ وضع قانون التفرغ للدعاة: حيث الزم الدولة بكفالة عدد من العلماء والدعاة والمفكرين، كي تتيح لهم التفرغ الكامل لا نجاز مشاريع فكرية دعوية التي يعكفون عليها باختيار أو بتوجيه من الدولة، فأجرى الأرزاق على العلماء ورتب لهم الرواتب يتفرغوا لنشر العلم ويكفوا مؤونة الاكتساب (?)، فقارئ القرآن الذي حفظه وقام يقرئه للناس ويعلمهم أحكامه والمحدث الذي يعقد مجالس الإملاء وينشر الحديث النبوي، والفقيه الذي ينظر في الكتب ويستنبط منها ويعلم الناس أمور دينهم ليعبدوا الله على بصيرة، والطالب الذي يتفرغ للعلم أو البحث والدرس، كل أولئك قد يشغلهم أمر ذويهم وأبنائهم وسدّ حاجتهم وتدبير أمور معاشهم، فقام عمر بقطع هذا الهاجس عنهم، وكفل لهم ولمن يعولون ما يعيشون به حياة كريمة، تتكفل به الدولة، ويؤخذ من بيت