وربما يقول جمال البنا: أنا كتبت كتاباً بهذا العنوان! وفعلاً قد كتب كتاباً هو معي الآن، قال فيه: الأصلان العظيمان الكتاب والسنة، وأضاف إلى ذلك عبارة: رؤية جديدة.
فهو يطرح رؤية السلف وتفسير السلف وبيان السلف وفهم السلف للكتاب والسنة، ثم يتقدم هو بعقله النتن القذر الوسخ لينظر في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم من جديد، زاعماً أننا في عصر قد تقدم فيه كل شيء، ولم يبق لمجهود السلف واقع في حياتنا، ويقول: عندنا الكمبيوتر والتكنولوجيا والمطابع والأوراق والأقلام وغير ذلك، ولم يكن هذا عند السلف، فإذا نظرت إلى كتابه وجدت أنه وضع معظم السم في بعض العسل.
ولكن ابن عبد البر يقول: أصول العلم عندنا الكتاب والسنة، والسنة تنقسم إلى متواتر وآحاد، والقرآن نقل إلينا بالتواتر، أي: نقل الجمع الغفير عن الجمع الغفير في كل طبقة، وهكذا ورد إلينا بعض السنة، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومن رد إجماعهم فقد رد نصاً من نصوص الله عز وجل يجب استتابته عليه، وإراقة دمه إن لم يتب لخروجه عما أجمع عليه المسلمون وسلوكه غير سبيل جميعهم.
والضرب الثاني: أحاديث الآحاد، وفيه خلاف، وقد ذكر أهل العلم من السلف أن حديث الآحاد يفيد العلم والعمل معاً، قال ابن حزم في كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) في أثناء استدلاله على حجية السنة: لا يحل لأحد من المسلمين أن ينكر أن السنة بنفسها حجة في العقائد والأحكام، وقد قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، فالله تعالى يردنا إلى كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، فلم يسع مسلماً يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وجد في القرآن والسنة، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمر الله ورسوله وموجباً لطاعة أحد هما عن الآخر فهو كافر، ولا شك عندنا في ذلك، وقد ذكر محمد بن نصر المروزي أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تأويل سائغ فهو كافر، ومن استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو كافر، والحجة في تكفيره قول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وهذه الآية كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر، وأيقن أن العهد عهد ربه إليه ووصيته عز وجل الواجبة عليه.
ثم قال: وقال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:61]، فليتق الله الذي إليه المعاد امرؤ على نفسه، ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختاراً للدخول تحت هذه الصفة المذكورة المذمومة الموبقة الموجبة للنار، فإن من نازل خصمه في مسألة من مسائل الديانة وأحكامها فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى وإلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فصده عنهما ودعاه إلى قياس أو إلى قول فلان وفلان، فليعلم أن الله عز وجل قد سماه منافقاً.
وقال ابن حزم: لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة.
وهؤلاء هم القرآنيون، أما الملحدون في زماننا فلا يأخذون بقرآن ولا سنة، ولا يلزمهم شيء من هذين.
وإجماع الأمة على أن من قال: أنا لا آخذ إلا بالقرآن فحسب دون السنة فإنه كافر، فكيف سيصلي وقد قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]؟ فالقرآن أمرنا بالصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل، فلا يلزمنا إلا أن نصلي في هذين الوقتين وصلاة أخرى حين طلوع الفجر؛ لأن ذلك أقل ما يطلق عليه اسم صلاة ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال وإنما ذهب إلى هذا بعض غلاة الرافضة.
ابن حزم: لم يذهب هذا المذهب وهو الأخذ بالقرآن دون السنة إلا بعض غلاة الرافضة، أما الآن فقد وجد أن بعض المسلمين ممن ينسبون إلى السنة يقولون هذا.
قال: وإنما ذهب إلى هذا بعض غلاة الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم، ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص لكان فاسقاً بإجماع الأمة.
قال عليه الصلاة والسلام: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: ما وجدنا في كتاب الله حلالاً أحللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمنا