موقف جمال البنا من الغيب وتفاسير القرآن والسنة النبوية

جمال البنا أنكر جميع المعلوم من الدين بالضرورة، وأول شيء أنكره الغيب، ثم قال: التفاسير كلها كلام فارغ، ورد عليه الدكتور المطعني حفظه الله، وقال: يا جمال! أين الكلام المليان؟ هل ننتظره منك؟ وهل نترك فقهاءنا وأئمتنا القدامى وسلفنا الصالح ونمشي خلفك؟ جمال البنا ينكر تماماً اتباع المسلمين لنبيهم عليه الصلاة والسلام، ويقول: وما يدرينا أن السنة قد ثبتت؟! هذا حرب للأصول؛ كان علماؤنا يردون على المعتزلة في إنكارهم حجية حديث الآحاد في العقيدة، أما الآن فلا أحاد ولا متواتر، ولا قرآن ولا سنة، فهذا أمر عجيب وخطير جداً، وإنني تكلمت مراراً عن حجية السنة وأنها من حيث الحجية هي والقرآن سواء بسواء، وإن الله تبارك وتعالى نفى الإيمان عمن لم يحتكم إلى الله ورسوله في الوقت نفسه، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65] أي: يا محمد.

{فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].

فهذه كلها شروط لأصل الإيمان، أن تلجأ إلى الله عز وجل في كتابه، وأن تلجأ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، أو إلى سنته بعد مماته، وإن إثبات السنة من عدمها له علماء وله محدثون قد وضعوا القواعد الأصيلة المتينة، وغربلوا السنة حتى لم يبق حديث قاله أو لم يقله النبي عليه الصلاة والسلام، أو فيه علة من العلل إلا ميزوه وحيزوه وجعلوا السنة الصحيحة في جانب، والضعيف منها في جانب آخر.

فماذا يبقى لـ جمال البنا أن ينكر أو لغيره والأمر كما قال الله؟! وفي الأمة ألف جمال البنا وأكثر، والأمر كما قال الله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة:70]، فهم والله أبقار، بل الأبقار أعظم منهم نفعاً على الأقل، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اشربوا ألبان البقر؛ فإن ألبانها دواء)، أما هؤلاء فلا يأتي الداء إلا من قبلهم، وليس الدواء، والنبي عليه الصلاة والسلام هو المبين والشارح لمجمل الكتاب، ولمطلقه، والمفصل لعمومه، ولا يمكن لعقل قط يحترم نفسه أن يقول: إنه يفهم القرآن لأول وهلة بغير الرجوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم إلى الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، ومن سار على نهجهم من الأئمة المتبوعين وغيرهم إلى قيام الدين.

لا يمكن -إلا أن يكون مخبولاً مجنوناً- أن يقول: أنا إذا فتحت الكتاب قرأته فعلمت مراد الله عز وجل.

لا بد أن يرجع إلى كلام أهل العلم من السلف أجمعين رضي الله عنهم.

ولذلك اقرأ قول الله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، هل ذكر في القرآن أن الظهر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والصبح ركعتان؟! اقرأ قول الله عز وجل: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]، ما كيفية السجود؟ وما عدده في كل الصلوات؟ أو في كل صلاة على حدة؟ وماذا تقول فيه؟ وما هو الواجب فيه؟ وما هو الذي يحرم عليك أن تقوله في السجود؟ وغير ذلك من الأحكام، هل تجدها في كتاب الله عز وجل؟!

صلى الله عليه وسلم لا.

وأما قوله: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، فزكاة ماذا؟ وكم زكاة البقر والغنم والإبل؟ وكم زكاة المال؟ وكم زكاة الذهب؟ وما مقدار هذه الزكوات، وما شروطها؟ اقرأ قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38]، متى تقطع يد السارق؟ فالسنة بينت أنه لا قطع في أقل من ربع دينار، ومتى يكون القطع؟ وهل يكون مع قيام الشبهة أو بعدمها؟ ومن أي موضع في اليد تقطع، هل من الكف أو المرفق؟ وهل تقطع اليد كلها أم شيء منها؟ وبينت ذلك كله السنة، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة جداً التي وردت مجملة عامة، فصلها وبينها وشرحها النبي عليه الصلاة والسلام.

ثم هؤلاء يشككون في السنة، فيقولون تارة بأن السنة ما هي إلا مجموعة أخلاق وآداب ونصائح، ومعلوم أن هذه الأخلاق وهذه الآداب والنصائح غير ملزمة، إذاً: السنة عندنا غير ملزمة.

وتارة يطعنون في السنة بالطعن في رواتها الأوائل، كالطعن في أبي هريرة لعلمهم أن أبا هريرة يروي معظم أحاديث الشريعة، فقد روى آلافاً مؤلفة من الأحاديث، فأرادوا هدم كيان أبي هريرة ليهدم ما قد أتى به من مرويات، ولكن هيهات هيهات! فإن هذا هو دين الله عز وجل، وهو الذي تكفل بحفظه، وأجمع علماء السنة أن قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] أن الذكر هو الكتاب والسنة.

وكل آية فيها الكتاب والحكمة أجمع العلماء على أن الحكمة هي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أبداً أن تكون الحكمة هي الكتاب؛ لأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015