تاسعاً: الختان عند الفقهاء: أجابت دار الإفتاء المصرية سنة 1950م على لسان العلامة علام نصار بيك مفتي الديار آنذاك قائلاً: إن ختان الأنثى من شعائر الإسلام، لا يجوز لأهل بلد الاجتماع على خلافه، وإلا وجب على الحاكم أن يحاربهم، وقد وردت به السنة النبوية واتفقت كلمة المسلمين وأئمتهم على مشروعيتها، مع اختلافهم في كونه واجباً أو سنة.
والحكمة في مشروعيته ما فيه من توطيد الميل الجنسي في المرأة، والاتجاه به إلى الاعتدال الممدوح والمحمود.
أرأيتم الحكمة! توطيد الشهوة وجعلها بين الإفراط والتفريط، وخير الأمور أوسطها.
قال فضيلة الأستاذ محمد إبراهيم سالم بيك رئيس المحكمة الشرعية العليا: ختان البنات عادة قديمة جاء الإسلام فأقرها؛ لما فيها من المصلحة والخير للمرأة نفسها وللمجتمع، وجعل ختان البنات مكرمة مستحبة، فهو مندوب ومن الخير فعله كما قال تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج:77].
وقد أجمع الفقهاء على استحسان ختان البنات؛ لما فيه من الحفظ والصيانة من التعرض للالتهابات العضوية والتضخم في أجهزة التناسل الظاهرية والانفعالات النفسية، وإثارة الغرائز الجنسية التي تؤدي إلى الاضطراب العصبي في حالة كبتها، أو إلى السقوط في مهاوي الرذيلة إذا أُطلقت من عقالها، وخاصة في سن الشباب ونشاط الغدة التناسلية.
وحين كان الختان الشرعي هو إزالة الجزء البارز من البذر المرتفع عن البشرة؛ لينخفض إلى مستواها حتى لا يكون عرضة للتهييج من الحركة أو الملابس أو الركوب، حين كان الختان على هذا النحو من الاعتدال دون إفراط أو تفريط؛ فإنه يُكسب المختونة صحة في الجسم وجمالاً في الأنوثة، وصيانة في الخلق، ومناعة في العفّة والشرف، مع الإبقاء على الحساسية الجنسية بالقدر المناسب الذي لا شطط فيه.
وبهذا يتضح أنه لا وجه لاعتراض بعض الأطباء في ختان البنات بالطريقة الشرعية، ولا مبرر لاقتراحهم منعه منعاً مطلقاً، ولعل اعتراضهم منصب على ما تخيلوه من أن ختان البنات يجري كله على طريقة الجهلة من أهل الريف، أو بالطريقة الوحشية المتّبعة في السودان.
انتهت الفتوى للأستاذ محمد إبراهيم سالم.
وقال فضيلة الأستاذ محمد اللبان بعد أن ساق الأدلة في مذاهب الفقهاء: من هذا نرى أن الحكم بتعاليه عن الاستحباب -أي: الختان أعلى من كونه مستحباً- وتنزله عن الوجوب يفيد السنة المؤكدة -أي: أنه ذهب إلى أن الختان سنة مؤكدة- والسنة بمعنى الطريقة والمنهج، وهذا أصل من الأصول أخذ به الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وأن الترك لا يكون إلا لعارض -أي: جواز ترك الختان لا يكون إلا لعلة- كمرض أو ظواهر كونية، كالمناطق الباردة والمناطق الحارة.
ثم يقول: كما أن الإشمام للنساء -أي: أخذ القدر الزائد- فيه إزالة لذلك الزائد الذي يمنع من نقاء دماء الحيض والبول، ولا تصل به المياه المطهّرة إلى الداخل، فتبقى رواسب وبقايا دماء الحيض والبول على جوانبه، مما يؤدي إلى الصنان وهي الرائحة الكريهة المنتنة، ويفسد بتكون البقايا نشاط دورة الشعيرات الدموية.
وبهذا قال أيضاً فضيلة الأستاذ القاضي الشرعي محمود عرنوس رئيس التفتيش الشرعي الأسبق، وفضيلة الأستاذ الدكتور زكريا البري رحمه الله أستاذ رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق جامعة القاهرة سابقاً، ووزير الأوقاف الأسبق، وكذا الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العدوي الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف سابقاً.