اعلموا -أيها الإخوة الكرام- أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ليس هذا كلامي بل قد ورد هذا الكلام مرفوعاً من قوله عليه الصلاة والسلام، ولكن الإسناد إليه غير صحيح، إنما صح هذا الكلام من قول أبي هريرة، وابن عباس وأنس وابن سيرين وزيد بن أسلم، والحسن البصري والضحاك بن مزاحم وإبراهيم النخعي وابن المبارك ومالك وغيرهم.
وقال هشيم: (كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه العلم نظرنا إلى سمته وهديه وإلى صلاته، ثم أخذنا عنه بعد ذلك).
ودين الله أحق ما طلب له العدول، إذا طلبت العلم فاطلبه من عدل ثقة مأمون على نقل هذا الدين إليك، وعلى نقل مراد الله ورسوله إليك، أما أن تطلب العلم على يد رجل إنما يتخذ العلم سلماً لنيل الأغراض والأعراض وغيرها، فهذا ما لا يعرفه سلفنا، بل حذرونا منه.
ولذلك قال خالد بن الخداج: ودعت مالك بن أنس فقلت: يا أبا عبد الله! أوصني، قال: عليك بتقوى الله وطلب العلم من عند أهله.
وقال الشافعي رحمه الله: لا يكمل الرجل في الدنيا إلا بأربعة: بالديانة والأمانة، والصيانة والرزانة.
هذه الأربع إذا اكتملت في رجل فهو الكامل.
وعن أبي أمية اللخمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)، فهم يحتجون بهذا الحديث ويقولون: نحن العلماء وهؤلاء صغار قوم أنى لهم العلم؟! ومتى حصلوا عليه؟! وعلى يد من؟! وفي أي مؤسسة؟! أقسم بالله العظيم أنهم لا يعترفون بما اعترفت به الأمة وأجمعت عليه في إمامتهم وعلمهم وورعهم وتقواهم؛ لأنهم إلى الآن لا يعترفون لا بـ ابن باز ولا بـ الألباني ولا بـ ابن عثيمين ولا بـ ابن جبرين ولا غيرهم من أهل العلم هنا وهناك، مع أن الأمة أطبقت على إمامتهم وعلمهم وفضلهم، وحازوا على جوائز شتى إثباتاً لجهودهم في بث الدعوة ونشر العلم بين الأمة شرقاً وغرباً، فليست القضية قضية شباب، وإنما القضية قضية أن من تخرج من الأزهر وإن كان من أفسق الناس فهو العالم، وما سواه فلا.
افتحوا للناس باب الأزهر، دعوا الشباب يتعلمون.
وحديث: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر) يقولون عنه: وهذا حديث صحيح أخرجه الترمذي وفلان وفلان! نعم، وهذا كلام جميل.
ثم إن المذيعة أو المقدمة التي جلست مع الشيخ على أحدث موديل، وأظهرت جميع مفاتنها إلا ما أخفته لزوجتها، وتضحك وتبتسم مع الكلام الجميل وهو يقابلها بنفس الشعور حتى لا يكون جلفاً! ثم يقول: والنبي عليه الصلاة والسلام حذر من هؤلاء وبين أنهم من أشراط الساعة ومن علاماتها، والدليل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث أبي أمية اللخمي.
أما تفسير أهل العلم للأصاغر.
فقد قال عبد الله بن المبارك ومالك بن أنس وابن عبد البر وغيرهم من أهل العلم: الأصاغر هم أهل البدع.
وأما صغير يؤدي عن كبير فليس بصغير، صغير يربطك بالله وبرسول الله وبسلف الأمة فليس بصغير على الحقيقة، بل الصغار هم أهل البدع، يلوون ألسنتهم لي البقر ألسنتها في المرعى، ويقولون: إننا خوارج العصر مع أننا نتبرأ من الخوارج بالليل والنهار، ومن منهجهم ومن أخلاقهم وسلوكياتهم، والخوارج هم شر خلق الله عز وجل بعد اليهود والنصارى، وربما يكونون قبل اليهود والنصارى، نقول هذا في كل وقت وحين.
إننا لسنا بخوارج، نحن طلاب حق، نتعثر ونصيب، ارحمونا، خذوا بأيدينا، ولو كنا ضللنا فاعلموا منا سبب ضلالنا وخذوا بأيدينا إلى النجاة والجنة إذا كنتم تزعمون أنكم على الحق المبين، ولذلك قال الشعبي: (ما حدثك هؤلاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم فشد يداً به -يعني: فشد عليه يدك- وعض عليه بالنواجذ، وما حدثوك عن رأي فألقه في الحجر) وفي رواية: (فبل عليه)؛ لأننا لسنا في حاجة إلى آراء الرجال، وإنما حاجتنا إلى (قال الله) و (قال الرسول).
وقال الشافعي: إنما يتكلم في هذا الدين من كان مأموناً على عقيدة هذه الدين.
قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: فأي مسلم يدين الله تعالى يستحسن أن يأخذ دينه ممن يستهزئ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزدري بأهله؟! وأنى يهدى السبيل من يبغيها عوجاً؟! بل قد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالغلمان والصغار إلى طلب العلم، فعن أبي هارون العبدي وشهر بن حوشب أنهما قالا: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يعني: أنتم وصية النبي عليه الصلاة والس