قال ثوبان رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي الأئمة المضلون).
وسماهم أئمة؛ لأنهم أئمة وخطباء ووعاظ وعلماء وقادة، وساسة، وخاف النبي عليه الصلاة والسلام من هؤلاء؛ لأنهم يزخرفون الباطل فيبدو في أعين الناس كأنه الحق الذي ليس بعده حق، ولذلك فإن عالم الدين يفسد في الدين وفي الأمة أكثر مما يفسده مائة قائد أو زعيم أو رئيس؛ لأن الناس ينظرون إلى هذا العالم على أنه صورة الإسلام، والواسطة بين الله عز وجل وبينهم في فهم كلام الله وترجمته لعامة الأمة، فإذا لوى النصوص، وحرف الكلم عن مواضعه، وبين للناس مراده هو من النصوص ولم يبين مراد الله عز وجل، مع علمه أنه يقول عن الله عز وجل ما لم يقله؛ فحسبه من ذلك جهنم.
وأول ما تسعر النار بالعالم الذي لم يعمل بعلمه والمرائي به الذي طلبه لغير الله عز وجل، إنما طلبه تفاخراً ورياءً وسمعة وإعجاباً.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلين يضلون الناس بغير علم).
وقال أيضاً: (يهدم الإسلام ثلاث: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون).
(زلة عالم) أي: خطأ عالم مرة أو مرتين، أما أنه قائم على الزلل بالليل والنهار، وعلى حرب الإسلام وأهله بالليل والنار من تحت طربوشه الأحمر أو عمامته البيضاء؛ فليس هذا هو الذي عناه عمر، إنما عناه هو ومن قبله النبي عليه الصلاة والسلام بـ (الأئمة المضلين).
وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى).
وعن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان) أي: فصيح بليغ.
ولذلك فهم يأتوننا بهؤلاء البلغاء الفصحاء فيتكلمون بكلام ما أروعه وما أجمله وما أحسنه وما أزينه! حتى يقول كل مشاهد وكل سامع: إن الحق في هذا الكلام، وإن هذا العالم هو العالم على الحقيقة، ثم يأتون بإنسان ليس أهلاً -في الحقيقة- للدعوة لدين الله عز وجل، يتكلم بكلام بعضه سخف وبعضه جهل، ثم يقول القائل: هؤلاء هم الشباب الذين يقال عنهم: شباب الصحوة أو شباب الدعوة.
ثم يأتون برجل يثور ثورة عارمة ويرفع صوته حتى تتقطع أحبال صوته، ثم لا يسمع من كلامه ولا كلمة واحدة فيأتون به في صورة مزرية إلى أقصى حد، ويقولون: انظروا إلى هذا الغضب الشديد الذي يتملكه مع أن أحداً لا يفهم منه شيئاً! فهم يتخيرون أسوأ النماذج.
وأنتم لستم صادقين ولو أقسمتم بالله مليون قسم، فأنتم ملاحدة يا أبناء روز اليوسف، ويا أبناء الصحافة والإعلام، وأنتم مغرضون، لا يمكن أن يأتي الصدق من جهتكم، إنما أنتم تبدون بمظهر جميل وملمح عظيم، وملمس في وجوهكم وأبدانكم كملمس النساء في النعومة، ثم تتكلمون بكلام يقطر عسلاً، لكن هذا الكلام قد تكلم به -بل وبأحسن منه- عبد الله بن أبي بن سلول عليه لعنة الله، وأنتم لا تخفون على الله عز وجل.
ثم يأتون بعالم فصيح بليغ فيجلسون أمامه الواحد والاثنين والثلاثة للمناظرة، ونحن لسنا أهلاً للمناظرة، ولم ندع في يوم أننا علماء، إنما نقول: إننا طلاب علم نسعى في الوصول إلى الحق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، أحياناً نتعثر وأحياناً نوفق، وهذا شأن البشر جميعاً، وعندنا من الأخطاء ما عندنا، لكن غيرنا عنده نفاق، وشتان ما بين الخطأ والنفاق.
وإنما نبتغي بهذا وجه الله تعالى، والله تبارك وتعالى حسيبنا بهذا، وغيرنا ممن يحاربنا ابتغى بعلمه ولسانه الدنيا، والله تبارك وتعالى يكافئ كلاً على نيته.
قال عمر: (إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان يتكلم بالحكمة ويعمل بالفجور).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في حديث مرفوع: (إني لا أخاف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، فأما المؤمن فيمنعه إيمانه، وأما المشرك فيقمعه شركه، ولكني أخاف عليها منافق عليم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون).
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أتخوف عليكم رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت بهجته، وكان ردءاً للإسلام؛ اغتره الشيطان -أي: أخذه من ناصيته- إلى ما شاء -أي: إلى ما شاء الشيطان-، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك.
قال حذيفة: يا رسول الله! أيهما أولى بالشرك: المرمي أو الرامي؟ قال: لا، بل الرامي أولى بالشرك).
وصدق حذيفة حيث قال: (المنافقون اليوم شر ممن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل: وكيف ذلك؟ قال: إنهم كانوا على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام يخفون النفاق، واليوم يظهرونه!) بل قال: (إنما كان النفاق على عهد النبي صلى ال