الله -تبارك وتعالى- فيتحتم ألا ينطق بها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد مجيء الوحي إليه؟ بمعنى أنه لا يجتهد أبدًا، ولا يقول قولًا إلا بعد أن يأتيه الوحي في أي صورة من صور الوحي المعروفة؟
نقول: لا، الرسول -صلى الله عليه وسل م- قد يجتهد في بعض الأمور، وعندنا سياقات ومواقف كثيرة تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسل م- تكلم باجتهاده مثلًا قصة المشهورة في غزوة بدر، سواء في الأسرى أو في المكان الذي ينزلون فيه، الحباب بن المنذر، وحين شاور النبي -صلى الله عليه وسل م- أصحابه، وحين جاءته الأخبار أن أهل مكة يستعدون لقتاله قبل أحد بقليل جمع الصحابة وشاورهم.
هذا كله يدل على أنه لا يوجد وحي قبل الاستشارة، وإلا لما استشار النبي -صلى الله عليه وسل م- أصحابه في واقعة قال فيها الله تعالى ما يريده من خلقه.
نقول: نعم، هناك قسم من السنة قاله النبي -صلى الله عليه وسل م- باجتهاده، لكن هذا القسم من الوحي أيضًا كيف؟ كيف ونحن أقررنا بأنه قد يتكلم قبل مجيء الوحي؟ هو من الوحي لماذا؟
الذي قاله النبي -صلى الله عليه وسل م- باجتهاده واحد من أمرين، إما أن يكون مصيبًا، وإما أن يكون مخطئًا، فالوحي يقره، ولا يتركه، إذا احتاج الأمر إلى تصويب وتصحيح صحح له، وإن كان قد قال الصواب والحسن من أول الأمر انتهت القضية، إذا قلنا مثلًا {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} (عبس: 2) على رأي من يقولون إن الآية عتاب لرسول الله -صلى الله عليه وسل م- نقول: إذن هو اتخذ هذا الموقف قبل مجيء الوحي، فلم يتركه الوحي، وإنما صوب له.
أيضًا في قصة أسرى بدر حين شاور أصحابه جاءه الوحي، وهكذا مواقف كثيرة تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسل م- قال بادئ ذي بدء باجتهاده، لكن هذا القسم أيضًا مرده