يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم محدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) هنا السنة وضعت في مقابلة محدثات الأمور، أي: البدع. ونبه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كل محدثة بدعة، وأن كل بدعة ضلالة، فالسنة في هذا السياق هي الموافق لسلوك النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولسلوك الخلفاء الراشدين المهديين من بعده -رضي الله عنهم أجمعين-، ولذلك نستطيع في ضوء ذلك أن فهم بعض أقوال أهل العلم، مثل: قول عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله تعالى- وهو واحد من أفذاذ علم الحديث ورجاله، ومن كبار العلماء بالسنة، حينما سئل عن مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان بن عيينة فقال: الأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، وسفيان إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، ومالك إمام فيهما. وإجابة عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله تعالى- في مثل هذا الاستعمال، إنما يراد بها الجانب العملي في الإسلام.
أما الحديث: فهو الاشتغال بما نقل لنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أقواله، وأفعاله، وتقريراته. ولذلك في هذا المعنى يقول خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وولاة الأمور بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، من عمل بها فهو مهتد، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، إلى آخر ما قال -رحمه الله تعالى ورضي عنه-.
فهذه السياقات تبين أن السنة عند أهل الحديث هي: كل ما نقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كل ما جاءنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كل ما صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول، أو فعل، أو إقرار، أو صفة خَلقية، أو خلقية، حتى الحركات والسكنات في اليقظة، وفي المنام قبل البعثة أو بعدها.