الإسلام فحسب، حتى في الجاهلية من قبل الإسلام، وكان رفيقَ الدعوة، وكان ثاني اثنين في الإسلام -رضي الله عنه وأرضاه- هذا أمر -كما قلت- بدهي، والمؤكد أنه سمع أكثر من أبي هريرة، بل ربما مرات ومرات، هذه قضية لم ينازع فيها أحد، لكن السؤال المطروح: متى أُتيحت ظروف الرواية لأبي بكر؟ هل أُتيحت ظروف الرواية لأبي بكر كما أتيحت لأبي هريرة؟
الأمر مختلف، نعم، سمع أكثر من أبي هريرة، لكنه لم تتح له ظروف الرواية؛ لأسباب كثيرة، فهو أولًا قد تولى الخلافة، والخلافة أعباؤها ثقيلة ولا تسمح للإنسان بالرواية، ثم هو عاش مدة وجيزة يعني: سنتان ونصف مثلًا على الأكثر بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بضعة أشهر بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فمتى أتيحت له ظروف الرواية؟ ثم إن عصره كانت فيه بعض أمور الفتن التي تحتاج إلى تسكين، مثل: الردة، ومانعي الزكاة ... إلى آخره، فلم تتح لأبي بكر -رضي الله عنه- ظروف الرواية، إنما أتيحت لأبي هريرة، عاش بعد حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- نصف قرن على الأقل، مات سنة 57 أو 58 أو 59، على خلاف في سنة الوفاة، وأصبح له تلاميذ، وجلس إلى الرواية ... إلى آخره.
كل ذلك يثبت أن هذه الأرقام بالنسبة لأبي هريرة ليست صعبة، ثم هيا نعد الأيام السنة بالتقويم القمري الهجري 354 يوم، أربعة وخمسون يومًا وثلاثمائة، أمضى أبو هريرة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أربع سنوات، يعني: ألف وأربعمائة يوم، وزيادة، أنا لا أحسب الكسور، 1400 يوم، إذا حسبته 5374 حديث على 1400 يوم، يعني: أربعة أحاديث في اليوم أو أقل، لو أن أحد الذين يسمعونني الآن يجري القسمة على آلة حاسبة، تخرج له النتيجة بدقة، هل كثير أن يسمع صحابي يلازم النبي -صلى الله عليه وسلم- ملازمةً تامةً، أربعة أحاديث، يعني: أربعة أسطر أو عشرة أسطر في كل يوم، أو عشرين سطر في كل يوم، حتى لو طال الحديث وكانت ألفاظه كثيرة؟!! بعض الأحاديث لا تتجاوز سطرًا واحدًا.