وكل ذلك يقوم على أسس واحدة ولا ينكره منكر منهم أبدًا، صيامهم كما قلت في رمضان حجهم في ذي الحجة، هذا التطور الذي يتحدث عنه ذلك المستشرق أو غيره لم يحدث اختلافًا أبدًا ما بين مشرق ومغرب، وكان الأحرى به لو كان هذا التطور هو الذي يحكم لكانت الأمور قد تغيرت تمامًا، خصوصًا مع اختلاف البيئات والثقافات والظروف الاقتصادية والاجتماعية وغيرها ومع اختلاف الألسنة ومع اختلاف الشعوب.
أقول: العكس هو الذي حدث، كل هؤلاء قد انصهروا في بَوتقة واحدة، لا يحدث بينها خلاف في أمر أصيل من أمور الإسلام، وإنما الخلاف الذي حدث في جزئيات تتعلق بفهم النصوص في المقام الأول، إذًا هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، وتظل الأمة بمعالمها الأساسية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، كل ذلك قد كان.
أيقال بعد ذلك: إن الأحاديث أو بعضها أو القسم الأكبر منها وضعت نتيجة لتطور المسلمين الديني أو السياسي، كلما استجدت لهم أمور سياسية وضعوا لها أحاديث، وكلما طرأت عليهم عادات اجتماعية وضعوا لها أحاديث!
هذا هراء وليس هناك دليل واحد عليه من واقع الأمة، وأين التباين بين آثار الأمة؟ وهؤلاء الذين رددوا هذا الكلام من وراء هذا المستشرق، أين اجتهادهم في دراسة تاريخ أممهم، وفي معرفة أحوال عاداتهم وأخلاقهم الاجتماعية؟ لماذا خُدعوا بهذا الكلام الذي لا أساسَ له من الصحة وكل واقع الأمة يبطله؟! كان أي حاكم من الدولة الأموية أو الدولة العباسية يحكم الدولة الواسعة كما ذكرنا، هل هناك نص واحد في أنه قد أبيح للشرق ما لم يبح للغرب، أو أن ما شرّع في الجنوب غير ما شرع في الشمال؟ كل ذلك لم يكن، وإنما العكس هو الصحيح.