مُمكن، جائز لرجل أن يأكل بيمينه أو بيساره، ويُمكن له أن يَشرب في نَفَس واحد أو نفسين، كذلك لا يستحيل دعاؤه، لكنه ليس هناك شيء يجبره على الدُّعاء.
أيضًا كُلُّ ذلك مِنَ النَّاحِية العَقْلية مُمكن، تدعو أو لا تدعو، تأكل أو لا تأكل، تأكل باليمين أو باليسار هذا في الميزان العقلي، ما الذي يُغلب جانبًا على آخر؟ ما الذي يُرَجِّحُ صدق رواية على أخرى؟ ما الذي يجعلنا نقول: إنّ الأكل باليمين هو الأصل الشرعي؟ لأنّ الروايات وردت بذلك؛ اعتمادًا على صدق الذين نقلوها لنا، وإلا من غير الصدق هذا تستوي كل الدلالات، إذا كان العقل هو الذي يعمل فقط يستوي هذا وذاك، في كثير من الأخبار هذا مثال توضيحي يبينه الدُّكتور الأعظمي؛ ليؤكد أن الاهتمام بالأسانيد أمر طبيعي، بل هو الأول.
وهذه المقولة التي قالها الدكتور الأعظمي وقالها غيره الدكتور محمد لقمان السلفي في اهتمام المحدثين بنقد الحديث أيضًا يبين أنّ السند هو الأصل، هو يتكلم عن فصل عقده، ونظرًا لأنّ العَقْلَ يُساوي بين الأخبار المنقولة من ناحية الصدق والكذب، إنّما يميل الأمر ناحية واحدة من اثنتين بِناءً على ما نثق به من أحوال المخبرين.
واحد أخبرني أنّ محمدًا سافر، والآخر أخبرني أنّ محمدًا لم يسافر، كيف سنفصل بين الروايتين؟ في ميزان العقل سواء؛ لكنّ الترجيح سيكون على أساس صفات المُخبر؛ قطعًا أي فطرة سليمة، وأي عقلٍ ناضِج سيقول: نأخذ بخبر الأصدق منهما والأعدل منهما، هذا أمر لا يختلف عليه اثنان إلا إذا كنا نحب الجدال لذات الجدال، أمّا إذا كنا نبحث عن الحق لنَتمَسّك به فإنّ البَدَاهَة والفِطْرَة -كما قُلت- والعقل يقولون: نقدم خبر أهل الصدق على أهل الكذب.