فهموا على أن هذه سعة قد يرجح لفظًا على لفظ لكنه لم يؤثم المخالف، ولم يقل بابتداعه، ولم يقل بخطئه، ليس بالبدعة، ولم يقل شيئًا من هذا.
ونقل ابن حجر -رحمه الله تعالى- في (الفتح) عن الإمام الشافعي حين أخذ بحديث ابن عباس في التشهد، قال: "لما رأيته واسعًا -يعني: ألفاظه واسعة فيها معاني كثيرة- وسمعته عن ابن عباس -رضي الله عنهما- صحيحًا -يعني: يقصد الشافعي -رحمه الله- أن يقول: هو روى هذا الحديث بأسانيد صحيحة عن ابن عباس فثبت صحته، يعني: لما رأيته رأيته واسعًا وسمعته عن ابن عباس -رضي الله عنهما- صحيحًا- كان عندي أجمع، وأكثر لفظًا من غيره، وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح".
إذن، هذان عالمان جليلان من أصحاب المذاهب المتبعة، ومن أهل القدوة في أهل الإسلام، الإمام الشافعي والإمام أحمد -رحمهما الله تعالى ورحم سائر علمائنا الأماجد الأماثل على مدار التاريخ كله- الإمام أحمد مال إلى تشهد عبد الله، والإمام الشافعي مال إلى تشهد ابن عباس وكلاهما أباح أن لكل مسلم أن يستعمل اللفظ الآخر ما دام قد ورد ذلك صحيحًا، فأي ضرر مثلته الرواية بالمعنى؟
أيضًا يضرب مثالًا آخر بحديث المرأة التي جاءت تهَب نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- والحديث في الصحيحين من رواية سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- يروي لنا: أن امرأة جاءت تهب نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، والمهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقطع في أمرها بشيء حتى طال الوقت؛ فقام صحابي جليل مؤدب محترم يقول: "يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها" فالنبي -صلى الله عليه وسلم- سأله: ((ما معك؟)) يعني: ماذا ستدفع من صداق، الحديث طويل وبعد مراجعات، قال: ((زوجتكها على ما معك من القرآن)) يعني: كان صداقها القرآن، والنبي -صلى الله عليه وسلم- زوجها للرجل على أن يحفظها ما يحفظ من كتاب الله تعالى.