وعندنا روايات وأنا أحس المستمع الكريم الآن وهو يقرأ في مصادرنا في السنة -يعني: في البخاري، في مسلم، في غيرهما، من كتب السنة- ويجمع الأحاديث التي وردت بروايات متعددة عن جملة من الصحابة، سيجد كثيرًا منها قد اتفق في اللفظ، وحتى لو اختلف سيختلف في حرف أو اثنين، لا يؤثر، يعني: نستطيع أن نجزم معه بأن أيضًا الرواية باللفظ كما هي، حتى يرد على الشبهة من أساسها أن الرواية بالمعنى أفسدت أو كذا أبدًا، يعني: كثير من روايات الحديث المتعددة التي نُقلت لنا عن جملة من الصحابة إنما وردت بروايات متعددة واللفظ فيها واحد.
أيضًا روى الخطيب -رحمه الله تعالى- بسنده إلى محمد بن علي أيضًا -رضي الله عنه- قال: "كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا سمع الحديث لم يزد فيه ولم ينقص منه ولم يجاوزه ولم يقصر عنه". وأورد الخطيب في هذا المعنى روايات كثيرة عن عمر وابن مسعود وأبي أمامة وزيد بن أرقم، وأورد قول عمر -رضي الله عنه-: "من سمع حديثًا فحدث به كما سمع، فقد سلِمَ".
بل إن الخطيب -رحمه الله تعالى- وضع عناوينَ لجملة من الأبواب تؤكد مثل هذا الأمر، مثلًا يقول: باب ما جاء في رواية الحديث على اللفظ ومن رأى ذلك واجبًا، يعني: هذا الواجب، باب ذكر الرواية عمن لم يجز تقديم كلمة على كلمة، باب ذكر الرواية عمن لم يجد زيادة حرف واحد ولا حذفه وإن كان لا يغير المعنى، ساق كمثال لهذا الأمر -زيادة حرف واحد- حديث أنس بن مالك رواه بسنده: ((نَهَى رسول الله عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه)) فقيل لسفيان: "أن ينبذَ فيه" يعني: يعصر فيه، نهى عن آنية الدباء والمزفت التي فيها نوع من القاري مزفتة، والدباء آنية تُصنَع من اليقطين، يعني: كانت الفواكه الجامدة، أو كذا، أو آنية يصنعونها يشربون فيها، فالدباء والمزفت نوع من أنواع الأواني فنهى -صلى الله عليه وسلم- أن ينتبذ فيه، فالذي