والإجازة من الشيخ، والمكاتبة، والوصية، والوجادة والإعلام إلى آخره، وكل طريق من طرق التحمل له ألفاظ يؤدى بها.
فلو أنني مثلًا أعطيت تلميذي كتابي الذي جمعت فيه الأحاديث التي رويتها وقلت له: أجزتك رواية الأحاديث التي في هذا الكتاب عني، هل يجوز له مثلًا أن يقول: سمعت شيخي فلانًا يقول كذا؟ لا، لا يستعمل لفظ السماع هنا؛ لأن التلقي لم يكن بواسطة السماع، يعني: أريد أن أقول: لأن هذا مبحث آخر غير الذي نتكلم فيه الآن إنما له صلة بما نعرفه -يعني: بتعريف الرواية- وهو أن التحمل والأداء مبحث هام جدًّا عند علماء الحديث، وتفصيلاته تؤكد ذلك الانضباط العظيم وتلك الدقة المتناهية، وهذا الحرص الشديد على السنة، وكيفية تلقيها، وحصروها في ثمانية طرق كما ذكرنا، ولكل طريق ألفاظه التي يؤدى بها.
والخلاصة: أن الرواية في اصطلاح المحدثين هي نقل الحديث وإسناده إلى من رواه، أو عزي إليه، ويكون ذلك بصيغة من صيغ الأداء المعروفة عند المحدثين، مثل: حدثنا، أو سمعت، أو أخبرنا، أو أنبأنا، أو أجازنا، أو نحو ذلك من التفصيلات التي يرجع إليها في علم المصطلح.
الرواية لها ركنان: التحمل، والأداء، التحمل: هو أن يأخذ التلميذ الحديث من شيخه، والأداء هو أن يؤدي الشيخ الحديث إلى تلميذه، يعني: عملية تبادلية، يعني: أنا أخذت الحديث من شيخي، فأنا متحمل وشيخي مؤدي، ثم نقلت الحديث إلى تلاميذي فأنا مؤد وتلاميذي متحملون عني، هذان هما الركنان في الرواية. وكما ذكرت منذ قليل فإن مبحث التحمل والأداء جدير بأن ندرسه، وأن نعتني به، وأن نفهمه؛ لأننا سنزداد احترامًا وحبًّا وتقديرًا لمدرسة الحديث وطلابها، وسنلمس عن قرب بالتحام شديد الجهد المبذول في صيانة السنة الشريفة،