هو عمل بما تأكد لدينا، وأصبح مقطوعًا به من أنه صادق بإجماع الأمة عليه، وأيضًا بالقرائن الأخرى التي ذكروها والتي أشرنا إليها، هل ينازع أحد في أن القصاص يثبت بشاهدين، هذا انعقد الإجماع عليه هل يجادل أحد؟ في الإجماع على أن الدعاوى في الأعراض تثبت بشاهدين في القذف مثلًا، وفي الزنا بأربعة شهود، وقلنا قبل ذلك: حتى إذا أخذنا بالزنا، فإن أربعة شهود لا يصيرون الخبر متواترًا، وإنما هو أيضا خبر آحاد على ما ناقشناه في قضية العدد الذي أشاروا إليه في قضية ثبوت الخبر المتواتر أو الأعداد المطلوبة في ثبوت الخبر المتواتر.
إذن الظن درجة من درجات العلم معمول بها قد يرادف اليقين أحيانا على ما ذهب إليه كثير من المفسرين في تفسير الآيات التي أشرنا إليها، وحتى مع القول بإفادته الظن الراجح، فإنه قد ثبت بالأدلة أننا يجب علينا العمل بما غلب على ظننا.
يقول الشاطبي -رحمه الله تعالى- تأكيدا لكلام، يقول: وهذه الظنون المعمول بها في الشريعة أينما وقعت؛ لأنها استندت إلى أصل معلوم فهي من قبيل المعلوم جنسه، فعلى كل تقدير خبر واحد صح سنده، فلابد من استناده إلى أصل في الشريعة القطعية، فيجب قبوله، ومن هنا قبلناه مطلقًا، كما أن ظنون الكفار غير مستند إلى شيء، فلابد من ردها.
يعني يريد أن يقول: أخبار الآحاد أيضًا استندت إلى أصل في الشريعة قطعي المسائل التي ذكرناها تحريم الدماء والأموال ثبت بأصل قطعي تحريم الربا ثبت بأصل قطعي إلى آخره، فإذن يجب العمل، حتى مع القول بهذه الظنون إذا يعني أسررنا على أنها ظنية فقط، فنقول إن العمل بها واجب، وبالتالي تنهدم حجتهم تماما في أن الآية: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 36) أو الآيات الواردة في الظن يعني تبعد العمل بخبر الآحاد نقول: هذا قول مردود على أصحابه.