الوسائل التي نستعين بها على إثبات أن الحديث له طرق متعددة. إذن، فهو إن شاء الله يعني نطمئن إلى صحته، خصوصًا بعد دراسة الإسناد، وبعد دراسة المتن معًا.
هذه المسائل التي تتعلق بالآحاد وأقسامه، وأنا أعلم أنه يدرس بتفصيل أعمق من ذلك في مادة المصطلح، وفي غيره من المواد، لكن أنا أشير إلى هذا في عجالة نظرًا لأنني سأحتاج إلى بعض المعارف التي ذكرتها، وأنا أتكلم عن الحديث المتواتر، وعن دلالته وعن أهميته، وأيضًا عن حديث الآحاد، وهو الأهم، وعن الرد على الشبه التي أثارها المغرضون تجاه حديث الآحاد.
قلت: إنهم لم يحبوا تتبع الغريب، فمثلًا السيوطي في (تدريب الراوي) يقول نقلًا عن الإمام أحمد: "لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء" وقال مالك: "شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس" وهذا ما جعلني أقول: إنه بحمد من الله وتوفيقه قل أن تجد حديثًا ليس له إلا طريق واحد، وعلماؤنا لهم قواعد تكتب بماء الذهب في هذا، لا أريد أن أستطرد إليها، ويكفي أنني لفت النظر إليها الآن للدارسين لينتبهوا، وليطمئنوا إلى أن السنة سارت كما قلت مرارًا في طريق من الصيانة والحفظ والرعاية والعناية، منذ قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن وضعت في بطون الكتب المهمة التي نعتمد عليها الآن، وهي الكتب الستة وغيرها من مصادرنا في السنة المطهرة.
ابن عدي أيضًا يروي عن أبي يوسف يقول: "من طلب الدين بالعلم تزندق، ومن طلب غريب الحديث كذب" يعني لماذا كذب؟ هو لا يتعمد الكذب؛ لأن تعمد الكذب هذه يعني مشكلة، إنما المقصود هذا الحديث قد لا يكون ورد إلا من هذا الطريق الضعيف، فإصرارك على تحمله وروايته قد يعرضك لأن تروي الضعيف الذي قد يشتد ضعفه، فيقترب من الكذب، فالمهم أنك تكون مع الأحاديث التي وردت من طرق متعددة.
ومرة أخرى أؤكد أنه ليس معنى ذلك أن كل غريب ضعيف. قلنا إن هناك غرائب، ثبتت صحتها، درسنا إسنادها ودرسنا متنها في ضوء القواعد المقررة لدراسة الإسناد، ولدراسة المتن، فلم نجد غرابة في هذا أو لم نجد يعني بعدًا في صحته بالمقاييس العلمية المعتمدة عند أهل العلم بإذن الله -تبارك وتعالى-.