يزدادوا في كل يوم علمًا، وقطعًا فإن أشرف العلوم وخيرها ما كان متعلقًا بالقرآن الكريم وبالسنة المطهرة، ولذلك نشطوا -كما قلت- في الاهتمام بالسنة.

وحين نتكلم ونقول: إن التدوين في السنة بدأ في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- مبكرًا جدًّا، بل بإذن منه -صلى الله عليه وسلم- شخصيًّا، فإننا لن نعتسف الأدلة أبدًا وصولًا إلى تلك الغاية، ولكننا لا نقول أو لن نقول في هذا الشأن قولًا إلا وسنؤيده بالدليل القوي المستمد من أوثق المصادر بإذن الله، ومن آكدها وأصحها.

على كل نبدأ فنقول: أول العهد في أمر الكتابة كان هو نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكتابة، يعني نهى المسلمين أن يكتبوا شيئًا غير القرآن، وهذا النهي ورد في قوله -صلى الله عليه وسلم- ((لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) هذا حديث رواه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم.

هذا أول الأمرين من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نهى عن الكتابة، هذا النهي النبوي كان وراءه جملة من الأسباب، نجملها على الوجه التالي:

أولًا: نهاهم عن الكتابة مخافة اختلاط شيء بالقرآن الكريم، فالقرآن الكريم كان شديدًا عليهم، صحيح هم أهل فصاحة وبلاغة، وأهل تذوق عالٍ وراقٍ، لكن ذلك لا يمنع أن القرآن كان جديدًا لم يتعودوا بعد على أسلوبه، ولم تشربه قلوبهم بعد، صحيح يتذوقونه ويفهمونه، لكنهم لا يستطيعون أن يقتربوا من ساحته، فلذلك يحتاجون إلى أن ينفردوا بالقرآن، وأن ينفرد القرآن بهم، ولا يختلط بشيء آخر مخافة أن يختلط بالقرآن، فلو سمح النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم بكتابة شيء غير القرآن مع القرآن، فربما أدى ذلك إلى نوع من الالتباس والاشتباه، فيدخل في القرآن الكريم ما ليس منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015