هي لم تكن محفوظة في الصدور فقط، وإنما كانت محفوظة في الصحف أيضًا؛ يعني محفوظة في الصدور وفي السطور، في الكتابة، كيف؟
دعونا نبدأ المسألة من أولها، فنجزم أولًا بصحة هذه الرواية، بصحة رواية عمر بن عبد العزيز التي صدرنا بها كلامنا، والتي تفيد أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- هو أول من أمر بكتابة السنة، نجزم بصحتها؛ لأنها وردت في أوثق مصادرنا، وأصحها بعد كتاب الله تعالى ألا وهو (صحيح البخاري).
لكن عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه- حين أمر بكتابة السنة، فإنه لم يبدأ ذلك من فراغ، وإنه اعتمد على تلك الأصول المكتوبة التي نقول بلا أدنى مبالغة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامي كله من خلال روح علمية نشطة وثابة، أشعلها الإسلام في أتباعه من خلال القرآن الكريم الذي حث على طلب العلم وكرم العلماء، وبين أنهم الطائفة التي تخشى الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28) {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 9) ومن خلال جملة وافرة من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- دعت إلى العلم عمومًا، ودعت إلى الاهتمام بالسنة خصوصًا، وكانت الدافع الأول لصحابة وللأمة كلها على الاهتمام بالعلوم الشرعية وغير الشرعية، وأيضًا الاهتمام بالسنة على وجه خاص.
ويكفي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بنضارة الوجه فيما رواه الترمذي في كتاب العلم لمن روى حديثًا عنه -صلى الله عليه وسلم- ((نضر الله امرأ سمع منا حدي ثًا فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)) وللحديث نصوص متعددة.
وفي حجة الوداع، وهذا في الصحيحين ((ليبلغ الشاهد الغائب)) المهم هذه الروح العلمية النشطة التي أشعلها الإسلام في أتباعه من خلال مصدريه القرآن والسنة ملأت قلوب الصحابة والمؤمنين بحب العلم، فأصبحوا يتقربون إلى الله تعالى بأن