ورغم أن ظاهر الحديث، أو أن نص الحديث واضح في أنه لا صلاة إلى بعد الوصول إلى ديار بني قريظة إلا أن الفريق الذي صلى في الطريق صرف اللفظ عن ظاهره ليس بهواه، وإنما بما يفهمه من شرع الله، وهو أنه قد وردت أحاديث كثيرة، وآيات قرآنية تبين أن الصلاة لها أوقاتها المحددة، ولا يجوز إخراجها عن تلك الأوقات إلا لضرورة أو لعذر مثل قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103)، وغير ذلك.
وفي الحديث المتفق على صحته في كتاب الجهاد، عن البخاري وغيره، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ((سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، أو الإيمان بالله. قلت: ثم أي؟ قال: الصلاة لوقتها)) أي: لأول وقتها. فالفريق الذي صلى في الطريق فهم من هذه الأدلة الشرعية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقصد إخراج الوقت عن حدوده المقررة شرعًا، أو عن زمنه المقرر شرعًا، وإنما يقصد أن نسرع؛ لنصل مسرعين أو مبكرين إلى ديار بني قريظة، فصلوا في الطريق. إذًا، هم صرفوا اللفظ عن ظاهره في ضوء الأدلة الشرعية.
وأما الأمثلة الإقرار الكلامي -أي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر بالكلام- فكثير جدًّا، ونكتفي بهذا النموذج مثلًا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا على سرية -يعني: أمره أميرًا على سرية- وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم القراءة ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الأخلاص: 1)، يعني: يقرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية، ويقرأ ما شاء الله تعالى له أن يقرأ من القرآن الكريم، ثم يختم قراءته بقل هو الله أحد (سورة الإخلاص). لما رجعوا ذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((سلوه لأي شيء يفعل ذلك؟)) فسألوه، فقال الرجل: لأنها صفة الرحمن؛ فأنا أحب أن أقرأ