في سورة النور: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} (النور: 47)، وبمقتضى هذا القول يلزمهم أن يطيعوا الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل ما يأمران به أو ينهيان عنه، لكن فعلهم لم يتطابق مع قولهم، {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} (النور: 47) لننظر هنا إلى حكم الله تعالى عليهم رغم قولهم: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا، لم يقولوا: وعصينا، كما قالت طوائف من البشر من بني إسرائيل، إنما قالوا: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} لكنهم لم يتطابق قولهم مع فعلهم، ثم يتولى، ثم يعرض ويبتعد فريق منهم بعد ذلك عن مقتضيات هذا القول، ولم يحسِنوا الاستجابة لأوامر الله تعالى ونبيه -صلى الله عليه وسلم؛ فكانت النتيجة أن حكم الله عليهم بعدم الإيمان: {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}.
{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} لا يستجيبون للحق أو للمنهج الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونزلت به آيات القرآن الحكيم وأحاديث سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- إلا إذا كان فيه منفعتهم، إلا إذا كان فيه خير لهم، إلا إذا تصوروا أن ذلك يجلب نفعًا لهم، {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}.
وفي تقسيم القرآن لمثل هذه الطائفة تقسيمٌ عجيب، هؤلاء الناس الذين لا يَقتربون من منهج الحق إلا بمقدار انتفاعهم به فحسب، هؤلاء يَندرجون تحت واحدٍ من ثلاثة: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} (النور: 50) هذا تقسيمهم العقلي والواقعي لمن يتوقف ويتردد ويمتنع عن حكم الله -تبارك وتعالى-، وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ إما في قلبه مرض النفاق والعياذ بالله، وإما عنده شكٌّ، وإما يعتقد بظلم الحكم الإلهي؛ {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}، وكل واحد من هذه الأسباب الثلاثة كافٍ في تدمير أصحابه