على ضرورة الكفر بالطاغوت مع الإيمان بالله، وفي سورة البقرة قُدَّم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله لبيان ذلك، التخلية قدمت على التحلية؛ ليجتمع السياق كله، مرة تقدم التحلية، ومرة تقدم هذا.
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (البقرة: 256) إذن هذه هي مهمة الرسل الكفر بالطاغوت، هؤلاء رغم زعمهم بأنهم آمنوا بالله وبالرسول يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، والعقيدة الصحيحة مع الطاغوت هي الكفر به، {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء: 60) لو أحسنا الظن بهذه الطائفة، وبيّنّا موقفها هذا قد يكون عن سوء فهم، ليس عن عناد وجحود وإنكار، يعني: هم يتصورون مثلًا أن عدم استجابتهم للسنة، وأن إنكارهم لها لا يتعارض مع إيمانهم، ما موقفنا معهم أو منهم؟ سنحاول أن نفهمهم نقول لهم: هذا خطأ وخطر على إيمانكم، ويتعارض مع دلالات القرآن والسنة المطهرة.
وهذا هو الذي يعلمنا إيَّاه القرآن الكريم، قبل أن نتهمهم نُحاول أن نفهّمهم، أن نجلِّي لهم الحقائق، وهذا في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} (النساء: 61) إذن هم زعموا بأنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك، هذا الزعم يقتضي منهم أن يستجيبوا لما أمر الله تعالى به، ولما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ بدل أن يستجيبوا نازعوا وجادلوا، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، أحسنا النية نحوهم، وحاولنا أن نُفهمهم فإذا بهم لم يستجيبوا، ولذلك كان وصف القرآن لهم بالنفاق: {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} هذا وصف الله تعالى لهم بعد أن أقيمت عليهم الحجة، ببيان الأدلة التي تحتّم ضرورة الاتباع، وفي نفس الوقت أيضًا