مهمة بيان القرآن الكريم الذي نُزِّل للناس لعلهم يتفكرون ويتدبرون في أمور دينهم ودنياهم، هذا التطبيق النبوي للآية قيَّد مطلقها، وأصبح مثالًا لتقييد السنة لمطلق القرآن الكريم، وأيضًا الأمثلة على ذلك كثيرة موجودة في الكتب لمن أراد أن يرجع إليها. إذن السنة تقيد المطلق بعد أن خصصت العام، وبعد أن فصّلت المجمل.
للسنة أيضًا مهمة في البيان أخرى: وهي أنها توضّح ما أَشكل وأُبهم من القرآن الكريم، يقولون: توضيح المبهم، وأنا أميل إلى تسميته بتوضيح المشكل، أو ما أَشْكل -يعني: هي مشكلة في فهمنا نحن، وليست في القرآن الكريم، فإنه لا يوجد فيه شيء مبهم، وعلى كل حال هو تفريق من وجهة نظري يقتضيه الورع مع القرآن الكريم.
لكن خلاصة هذا النوع: هو أنه تأتي بعض الألفاظ، أو المراد بعض السياقات التي لا يُفهم معناها، ولا يُحدَّد المراد منها، فيأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- ليبين ذلك، وهي أشبه ما تكون ببيان نوع الكلمة أو معنى الكلمة، الكلمة ونوعها، من ذلك مثلًا بيان السنة للمراد من الخيط الأسود والخيط الأبيض الوارد في قول الله تبارك وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المراد الخيط الأبيض هو النهار، والخيط الأسود هو الليل.
روى البخاري -رحمه الله تعالى- بسنده إلى سهل بن سعد -رضي الله تعالى عنه- قال: ((نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ولم ينزل من الفجر -يعني: لم تكن هاتان الكلمتان "من الفجر" لم يكن قد نزلتا بعد- وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبيَّن له رؤيتهما -يعني حتى يتمكَّن من رؤيتهما، والتمييز بينهما يظلُّ يأكل- فأنزل الله -تبارك وتعالى- بعده {مِنَ الْفَجْرِ})) وبيَّن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن سواد الخيط الأسود المقصود به هو سواد الليل، وأن